من حلب إلى دمشق: انهيار النظام واحتمالات الانقلاب العسكري
بقلم: د. عدنان بوزان
سقوط مدينة حلب يُعدُّ منعطفاً خطيراً في مسار الصراع السوري، حيث تشير المعطيات الميدانية إلى تطورات دراماتيكية تُنذر بتحولات عميقة. الانهيار السريع للجيش السوري في المدينة، مع غياب المقاومة الفعلية، يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول ما حدث خلف الكواليس. هذا التراجع غير المتوقع يثير الشكوك بشأن وجود اتفاق ضمني بين القيادة العسكرية للنظام السوري والمهاجمين الذين سيطروا على المدينة، مما قد يكون جزءاً من ترتيبات أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري في البلاد.
هروب الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو، وفقاً للتقارير، يعكس حجم الأزمة التي يواجهها النظام. فراره في لحظة سقوط واحدة من أهم مدن سوريا يُظهر ضعف الثقة بين القيادة السياسية والعسكرية من جهة، وعجز النظام عن السيطرة على الأوضاع الميدانية من جهة أخرى. مثل هذا التحرك لا يمكن فهمه بمعزل عن ديناميات داخلية تشير إلى تآكل سلطة الأسد داخل النظام نفسه، خاصة مع تصاعد التحديات العسكرية والسياسية التي تواجهه.
من جهة أخرى، الانهيار السريع للجيش السوري في حلب قد يكون نتيجة تنسيق مسبق داخل القيادة العسكرية. تشير بعض التقارير إلى أن الجيش انسحب من المدينة بشكل منظم ودون قتال يُذكر. هذا السلوك يثير التساؤلات حول وجود اتفاق بين بعض قادة الجيش والمهاجمين، وهو ما قد يكون مقدمة لانقلاب عسكري يُحضَّر له في الخفاء. يبدو أن النظام يواجه ضغوطاً داخلية كبيرة، حيث تتزايد حالة السخط بين قيادات الجيش التي ترى أن النظام فقد السيطرة على البلاد، وأن بقاءه في السلطة بات عبئاً على الدولة ومؤسساتها.
دمشق، العاصمة التي ظلت حتى الآن تحت سيطرة النظام، تبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى السقوط. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن انقلاباً عسكرياً محتملاً قد يُفضي إلى تفاهمات دولية تُبقي على هيكل الدولة مع تغيير القيادة السياسية. التحركات الأخيرة لبعض القيادات العسكرية تشير إلى رغبة متزايدة في إنهاء حالة الفوضى والتراجع، عبر الإطاحة بالقيادة السياسية التي باتت فاقدة للشرعية في نظر قطاعات واسعة من المجتمع السوري، وحتى داخل النظام نفسه.
في هذا السياق، لا يمكن فصل ما يجري في سوريا عن الأبعاد الإقليمية والدولية. الأطراف الداعمة للمهاجمين، وعلى رأسها تركيا، قد ترى في سقوط دمشق فرصة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، خاصة مع تقديمها الدعم الواضح للجماعات التي تقاتل على الأرض. أما إسرائيل، فإن سقوط النظام قد يُمثل مكسباً استراتيجياً كبيراً، يتمثل في إضعاف النفوذ الإيراني وتحييد حزب الله. هذه المصالح المشتركة بين الفاعلين الإقليميين تعزز احتمالية وجود تفاهمات ضمنية حول شكل المرحلة المقبلة في سوريا.
ومع كل هذه التطورات، تبقى الساعات القادمة حاسمة. إذا تدخلت طائرات التحالف الدولي واستهدفت مواقع المعارضة المسلحة التي تتقدم نحو دمشق، فإن ذلك سيُفسَّر على أنه دعم غير مباشر لاستمرار النظام وإفشال المخطط المُحتمل للإطاحة به. أما إذا بقي التحالف على الحياد ولم يتدخل، فإن سقوط دمشق قد يصبح واقعاً قريباً، بما يفتح الباب أمام تنفيذ مخطط يهدف إلى إعادة ترتيب الأوضاع السياسية والعسكرية في سوريا، بطرق تخدم مصالح الأطراف الإقليمية والدولية على حد سواء.
بالتالي، مستقبل سوريا في هذه اللحظة الدقيقة يبدو معلقاً بين خيارين: استمرار النظام عبر دعم دولي مباشر أو غير مباشر، أو سقوطه نتيجة انشقاقات داخلية وتواطؤ إقليمي ودولي، مما سيؤدي إلى دخول البلاد في مرحلة جديدة قد تكون أكثر تعقيداً مما سبق.