الفيدرالية: مسار سوريا نحو الاستقرار والوحدة بعد سقوط النظام المركزي

بقلم: د. عدنان بوزان

يتجه الوضع في سوريا نحو مسار سياسي جديد بعد سقوط نظام بشار الأسد، إذ بات من الواضح أن النمط التقليدي للحكم المركزي الذي اعتمده النظام البعثي لعقود طويلة لم يعد مقبولاً ولا قابلاً للاستمرار. هذا النموذج، الذي تمحورت السلطة فيه بيد الحكومة المركزية مع فرض سياسات أحادية الجانب، كان أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد. استمرار هذا النموذج سيؤدي حتماً إلى تصاعد الانقسامات الداخلية وربما إلى تقسيم سوريا فعلياً، وهو ما يتناقض مع المصالح الوطنية والإقليمية والدولية.

- الفيدرالية: الخيار الواقعي والحتمي لسوريا المستقبل:

مع اقتراب تشكيل الحكومة الانتقالية وموعد صياغة دستور جديد لسوريا في آذار 2025، يظهر النظام الفيدرالي كخيار أكثر واقعية وحتمية لضمان مستقبل مستقر للبلاد. الفيدرالية ليست مجرد خطوة داخلية، بل هي ضرورة لإعادة بناء سوريا بشكل يعزز استقرارها الداخلي ويلبي تطلعات جميع مكوناتها العرقية والدينية والثقافية.

النظام المركزي أثبت فشله في استيعاب التنوع الثقافي والاجتماعي في سوريا. المكونات الأساسية، مثل الكورد والعرب والآشوريين والدروز وغيرهم، تحتاج إلى نظام سياسي يضمن حقوقها بشكل عادل ومتوازن. التجربة السابقة للحكم المركزي أسفرت عن تهميش مناطق واسعة وإقصاء أصوات سياسية وشعبية متعددة، ما أدى إلى تصاعد الشعور بالظلم وتفاقم الانقسامات المجتمعية.

- الفيدرالية: نموذج يعزز الوحدة الوطنية:

النظام الفيدرالي سيتيح توزيع السلطة بين الحكومة المركزية والأقاليم، مما يسمح لكل منطقة بإدارة شؤونها الداخلية مع الحفاظ على الوحدة الوطنية. هذا النموذج يوفر بيئة مناسبة لتحقيق توافق بين احتياجات الداخل السوري والمصالح الإقليمية والدولية.

على المستوى الدولي، يُعد النظام الفيدرالي وسيلة فعالة لتبديد المخاوف المتعلقة بتقسيم سوريا، مع ضمان حقوق كافة المكونات. الولايات المتحدة وحلفاؤها ينظرون إلى الفيدرالية كآلية تضمن الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، مع تحقيق توازن مع المخاوف التركية المتعلقة بالاستقلال الكوردي. روسيا، من جانبها، قد ترى في الفيدرالية صيغة مناسبة لحفظ نفوذها الاستراتيجي في سوريا، مع تأمين مصالحها الاقتصادية والعسكرية.

- انعكاسات إقليمية ودولية:

على الصعيد الإقليمي، ستضطر تركيا وإيران إلى التعامل مع النظام الفيدرالي كواقع جديد يضمن مصالحهما، مع تقليل فرص تحول الفيدرالية إلى خطوة نحو الانفصال الكامل. بالنسبة لدول الخليج والدول العربية، يمكن أن يُعتبر النظام الفيدرالي وسيلة للحد من النفوذ الإيراني في سوريا، مما يحقق توازناً إقليمياً مطلوباً.

ومن أبرز التحولات المتوقعة في سوريا الجديدة، تقليص النفوذ الإيراني تدريجياً. النفوذ الإيراني، الذي ارتبط بسياسات النظام السابق، لن يجد مكاناً في سوريا المستقبلية القائمة على نظام فيدرالي يحترم السيادة الوطنية ويحد من التدخلات الخارجية التي تؤجج الصراعات.

- الفيدرالية: أساس لإعادة بناء الثقة والتنمية المحلية:

داخلياً، يمثل النظام الفيدرالي فرصة لإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري. إذا تأسس على مبادئ عادلة تحترم التنوع الثقافي والديني واللغوي، فإنه سيشكل ركيزة لتحقيق التنمية المحلية وإنهاء التهميش الذي عانت منه مناطق عديدة.

النظام الفيدرالي ليس مجرد خيار سياسي، بل هو ضرورة فرضتها تعقيدات الأزمة السورية وتوازنات القوى المحلية والإقليمية والدولية. مع اقتراب صياغة دستور جديد في عام 2025، قد يكون التحول نحو الفيدرالية نقطة تحول تاريخية تُنهي مرحلة الفوضى والصراعات، وتفتح الباب أمام استقرار مستدام يعزز وحدة سوريا، مع ضمان مصالح كافة الأطراف المعنية بالصراع السوري.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!