إقصاء الكورد: هل تُعيد الثورة إنتاج نظام عنصري جديد؟

بقلم: د. عدنان بوزان

منذ اندلاع الثورة السورية، كان واضحاً أن جميع مكونات الشعب السوري شاركت في مواجهة نظامٍ استبدادي عنصري وطائفي، سعى لعقودٍ إلى إقصاء جميع الأصوات المخالفة وتهميش الأقليات، بما في ذلك المكون الكوردي. لقد لعب الكورد، كجزءٍ أصيل من النسيج السوري، دوراً حيوياً في مقاومة النظام، سواء عبر مشاركتهم في الحراك الشعبي أو من خلال تنظيماتهم السياسية والعسكرية التي دافعت عن مناطقهم وساهمت في التصدي للإرهاب. ومع ذلك، يبدو أن هذه التضحيات لم تُترجم إلى دورٍ ملموس في المرحلة الانتقالية التي تتبلور ملامحها اليوم.

1- غياب الكورد عن القيادة الانتقالية:

في التشكيلات الأخيرة للحكومة الانتقالية الجديدة التي يتم إعدادها في دمشق، لم يظهر أي اسم كوردي ، مما يثير تساؤلاتٍ عميقة حول طبيعة النظام الجديد المزمع تأسيسه. هل الثورة التي نادت بالحرية والمساواة لجميع السوريين تحولت إلى منصة لإعادة إنتاج نظامٍ أكثر عنصرية وطائفية؟ إن غياب التمثيل الكوردي في القيادة الانتقالية يشير إلى احتمال وجود توجهٍ متعمد لإقصاء الكورد من المعادلة السياسية، وكأن التضحيات التي قدموها أصبحت مجرد تفصيل هامشي في حسابات القوى المهيمنة على القرار.

2- تناقض الشعارات والواقع:

إذا كان الهدف من الثورة هو بناء سوريا جديدة تُحترم فيها حقوق جميع مكوناتها، فإن إقصاء الكورد من العملية السياسية يتناقض بشكل صارخ مع هذه الشعارات. بدلاً من السعي لتحقيق العدالة والمساواة، يبدو أن النظام الجديد يُعاد تشكيله وفق نفس العقلية الإقصائية التي كانت جوهر الحكم البعثي. الفرق الوحيد هو أن التوازنات الطائفية والسياسية الجديدة تُدار من قبل أطراف مختلفة، لكنها تستخدم الأدوات الإقصائية ذاتها.

3- نظام عنصري وطائفي جديد؟:

إن التمثيل السياسي لأي مكون يجب أن يكون انعكاساً لتضحياته ودوره في الثورة، وليس مكافأة أو تنازلاً يمنح من أطراف متنفذة. إذا استمر تغييب الكورد عن مراكز القرار، فإن النظام القادم لن يكون سوى إعادة تدوير لنظامٍ عنصري جديد، قد يكون أشد تطرفاً من النظام البعثي. الأخطر من ذلك، أن هذا النهج قد يعمّق الانقسامات الإثنية والطائفية، مما يهدد وحدة سوريا ومستقبلها كدولة مستقرة.

4- استقلال أم إعادة تدوير للهيمنة؟:

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل ما يحدث يمثل ثورة استقلال فعلية أم مجرد عملية لإعادة توزيع السلطة بين أطراف جديدة ضمن إطارٍ عنصري وطائفي؟ الواقع يشير إلى أن القوى المهيمنة على القرار الانتقالي تُعيد تشكيل المشهد السياسي بما يتوافق مع مصالحها الضيقة، على حساب العدالة والتمثيل الحقيقي لجميع السوريين.

5- الرسالة للأطراف السياسية:

يجب على جميع الأطراف السياسية أن تُدرك أن استبعاد الكورد، أو أي مكون آخر، لن يؤدي إلا إلى تأجيج الصراعات وزيادة التوترات. سوريا بحاجة ماسة إلى نموذج سياسي يعترف بالتنوع ويضمن لكل مكون دوره المستحق، ليس كمنّة أو تنازل، بل كحق أصيل يعكس شراكتهم التاريخية في الوطن.

إن استمرت الأطراف السياسية في تبني هذه العقلية العنصرية والإقصائية، فإن الشعب السوري سيجد نفسه بحاجة إلى ثورة جديدة، ثورة حقيقية تضع حداً لدوامة الأنظمة الاستبدادية التي تعيد إنتاج نفسها بأشكال مختلفة. إن تجاهل التنوع السوري وتهميش مكونات أصيلة كالكورد وغيرهم لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة وتدمير فرص بناء دولة ديمقراطية ومستقرة. وبالنظر إلى الخطاب السائد عبر وسائل الإعلام، بما فيها الفضائية السورية تحت سيطرة النظام الجديد، يبدو واضحاً أن ملامح النظام الجديد تسير نحو تشكيل دولة تحمل صفات الإرهاب والتطرف، مشابهة لنماذج مأساوية شهدناها في دول كأفغانستان. هذا التوجه لا يُنذر فقط بمزيد من المعاناة، بل يهدد المنطقة بأكملها، ويُضعف أي أمل في تحقيق سلام مستدام ومستقبل مشرق للسوريين جميعاً.

في الختام، إذا استمر النهج الحالي في تشكيل القيادة الانتقالية مع تجاهل حقوق الكورد، فإن ما يُسمى "ثورة الاستقلال" لن يكون سوى إعادة إنتاج للأنظمة الإقصائية. وستبقى سوريا أسيرة دوامة العنف والانقسامات. الحل يكمن في تأسيس نظام ديمقراطي تعددي يضمن مشاركة عادلة وحقيقية لجميع مكونات الشعب السوري، دون استثناء أو تهميش.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!