بقلم: د. عدنان بوزان
في بداية ولايته الثانية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية جديدة على واردات الاتحاد الأوروبي تصل إلى 25%. ومع تزايد الحروب التجارية التي أطلقها، لم يتوقع البعض أن تنعكس تأثيرات سياسته بشكل سريع على الاقتصاد الأوروبي، الذي يواجه بالفعل تحديات ضخمة. ولكن مع استمرار الأزمات الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي الكبرى، قد يجد ترامب نفسه متورطاً في تصعيد قد لا يؤدي فقط إلى تدهور اقتصادي في أوروبا، بل قد يتسبب أيضاً في أزمة ديون جديدة في منطقة اليورو.
1- التهديدات الاقتصادية التي تواجه أوروبا:
يواجه اقتصاد منطقة اليورو، وخصوصاً في الدول الكبرى مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، العديد من التحديات الاقتصادية. ألمانيا، باعتبارها الاقتصاد الأكبر في المنطقة، تمر بفترة صعبة بعد انكماش طويل ناتج عن صدمات متعددة، بدءاً من تبعات جائحة كوفيد-19، وصولاً إلى أزمة الطاقة التي نتجت عن الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى تباطؤ الطلب الصيني على السلع الألمانية. تلك العوامل أسهمت في تراجع النمو الاقتصادي في ألمانيا، مما دفعها إلى الركود في عام 2023، وهو ما يزيد من هشاشة الاقتصاد في منطقة اليورو بشكل عام.
2- فرنسا وإيطاليا: عبء الديون يتزايد:
بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية في ألمانيا، تواجه إيطاليا وفرنسا أزمات اقتصادية خاصة بهما، حيث يعاني كلا البلدين من مستويات قياسية من الديون العامة تتجاوز تلك التي كانت موجودة أثناء أزمة الديون السيادية في بداية العقد الماضي. ونتيجة لذلك، هناك عجز ضخم في الميزانيات العامة، الذي يصعب معالجته في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. ورغم الجهود المبذولة، يبدو أن الحكومتين الفرنسية والإيطالية تفتقران إلى الإرادة السياسية الكافية لإيجاد حلول مستدامة لهذه المشكلات المالية.
3- ترامب وتداعيات السياسات التجارية:
بعيداً عن الجوانب الداخلية التي تعيشها دول منطقة اليورو، فإن تصريحات ترامب الأخيرة بخصوص فرض رسوم جمركية على واردات الاتحاد الأوروبي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في المنطقة. إن السياسة التجارية التي يتبعها الرئيس الأمريكي قد تؤدي إلى إضعاف الاقتصاد الألماني بشكل إضافي، وهو ما قد ينعكس بشكل مباشر على إيطاليا وفرنسا. إذ تواجه تلك الدول بالفعل تحديات في التعامل مع ديونها، ويزيد من تعقيد الوضع تراجع الطلب على صادراتها، الأمر الذي يفاقم من أعباء هذه الدول الاقتصادية.
4- مخاطر الركود العام في منطقة اليورو:
إذا استمرت هذه السياسات الحمائية من قبل الإدارة الأمريكية، فقد تتسبب في ركود شامل في منطقة اليورو. هذا من شأنه أن يزيد من الضغوط على أسواق المال الأوروبية، ويقوض قدرتها على تحمل الأعباء الاقتصادية المتزايدة. فإذا أصاب الركود بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا، فإنه سيؤثر سلباً على صادرات الدول الأخرى في المنطقة، مثل إيطاليا وفرنسا، التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات لتعزيز نموها الاقتصادي.
5- الآثار المحتملة على الأسواق العالمية:
من غير الممكن أن تتجاهل الولايات المتحدة التأثيرات السلبية التي قد تترتب على إشعال أزمة جديدة في منطقة اليورو. فقد أظهرت الأزمة المالية التي مرت بها اليونان في عام 2010 كيف يمكن أن تؤثر الأزمات الاقتصادية الأوروبية على الأسواق المالية العالمية. ومن خلال النظر إلى العلاقات التجارية الوثيقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يبدو أن أي أزمة في أوروبا لن تكون محصورة في هذه المنطقة فقط، بل سيكون لها تداعيات عالمية، لا سيما في الأسواق المالية التي قد تعاني من تقلبات شديدة.
6- مستقبل المنطقة: خيارات أوروبا للوقاية:
بينما يبدو أن الإدارة الأمريكية قد تواصل اتباع سياسات تجارية صارمة، فإن الأوروبيين بحاجة إلى استراتيجيات طويلة المدى للتعامل مع هذه التحديات. يمكن أن تكون هذه الاستراتيجيات عبارة عن إصلاحات هيكلية في الاقتصاد الأوروبي تضمن التنافسية وتساعد في تقليص الأعباء المالية. الإصلاحات التي اقترحها ماريو دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، تعتبر من الخطوات الأساسية التي يمكن أن تساعد في تعافي الاقتصاد الأوروبي على المدى البعيد.
الخاتمة:
من الواضح أن أي تدهور إضافي في الاقتصاد الأوروبي نتيجة لسياسات ترامب قد يؤدي إلى أزمة ديون جديدة في منطقة اليورو. لذلك، من المهم أن يعيد الرئيس الأمريكي التفكير في تداعيات سياساته على أوروبا والعالم. وفي الوقت نفسه، يجب على صناع السياسات الأوروبية أن يكونوا مستعدين لمواجهة التحديات القادمة عبر تبني إصلاحات اقتصادية جريئة تساهم في ضمان استقرار المنطقة ومواجهة أي تهديدات اقتصادية في المستقبل.