فلسفة الحياة والموت: بين خدمة البشرية وعبودية المال
بقلم: د. عدنان بوزان
في هذا الكون الواسع، كل إنسان يسير في درب حياته، يخط مساراً فريداً مليئاً بالأهداف والطموحات، بالآمال والأحلام. نحن جميعاً في النهاية مجرد مسافرين على متن هذه السفينة الكبيرة التي تدعى الحياة. ومن ثم، فإننا جميعاً نتقاسم نفس المصير الحتمي: الموت. لكن ما يميز أحدنا عن الآخر هو الكيفية التي نقضي بها أيامنا ونستثمر فيها حياتنا.
أنا سأموت حتماً، وأنت ستموت حتماً، سواء سبقتني أو لحقتني، وهذه الحقيقة المطلقة لا مفر منها. لكن بين هذين المحطتين - الولادة والموت - يكمن جوهر الحياة الحقيقية: كيفية عيشها، وكيفية ترك بصمة لا تُنسى. في هذه الرحلة القصيرة نسبياً، اخترت أن أكرس نفسي لخدمة البشرية، أن أبحث عن الروح والذات، أن أعمق فهمي للوجود والغاية من الحياة. أما أنت، فقد اخترت أن تخدم المال، أن تسعى وراء الثروة المادية، وأن تضع نصب عينيك أهدافاً دنيوية تقتصر على التراكم المادي.
الفلسفة القديمة تقول: "اعرف نفسك"، وهذا السعي وراء المعرفة الذاتية هو الذي يدفع الإنسان ليكون أكثر إنسانية، أكثر عمقاً، وأكثر حكمة. في خدمتي للبشرية، وجدت أن الروحانية والبحث عن الذات هي الطريق إلى السلام الداخلي وإلى السعادة الحقيقية. من خلال الفلسفة، العلم، والفكر، سعيت لفهم الغاية الأسمى من وجودي، لأترك إرثاً من المعرفة والحكمة يمكن أن ينير درب الآخرين.
في المقابل، إن عبودية المال لا تترك وراءها سوى الفراغ. أنت، في سعيك الدؤوب لجمع الثروة، تجد نفسك في دوامة لا نهاية لها، تغوص في مستنقع لا يمل أبداً من الجشع والضياع. كلما جمعت المزيد، ازدادت حاجتك للمزيد، وكأن المال يصبح سيدك وأنت عبد له، تلهث وراءه دون أن تدرك أن سعادتك الحقيقية ليست في الكمية التي تمتلكها، بل في الكيفية التي تعيش بها حياتك.
المال يمكن أن يشتري الأشياء، لكنه لا يمكن أن يشتري السعادة الحقيقية، ولا السلام الداخلي، ولا الحب الصادق، ولا الاحترام العميق الذي ينبع من خدمة الآخرين والتضحية من أجلهم. إن الحياة المكرسة لخدمة البشرية والبحث عن الذات تمنح صاحبها غنىً روحياً لا يقدر بثمن. إنها تمنح الإنسان شعوراً بالانتماء إلى شيء أكبر، إلى الإنسانية بأسرها، وتجعله يشعر بأنه جزء من نسيج الحياة الكونية.
أنا سأموت حتماً عاجلاً أو آجلاً، لكن إرثي سيبقى. سيبقى في الأفكار التي نشرتها، في القلوب التي ألهمتها، في الأرواح التي ساعدتها على إيجاد طريقها. هذه الخدمة للبشرية، هذا البحث الدائم عن الذات والمعرفة، هو ما يمنح حياتي معنى يتجاوز حدود الزمن والمكان.
أما أنت، في سعيك لخدمة المال، ستجد نفسك في نهاية المطاف وحيداً، بلا إرث حقيقي يذكر. ستترك وراءك أرقاماً في البنوك، وممتلكات مادية قد تنتقل إلى غيرك، لكنك لن تترك أثراً يبقى في ذاكرة الإنسانية. ستبقى ذكراك عابرة، مثل ظل مر على هذه الأرض دون أن يترك بصمة تذكر.
الفلسفة تعلّمنا أن الحياة الحقيقية هي تلك التي نعيشها بروح المحبة والعطاء، بالإيثار والتضحية. إنها تلك الحياة التي نسعى فيها لمعرفة أنفسنا وفهمها، التي نبحث فيها عن الحقائق العميقة والمعاني السامية. هذه هي الحياة التي تستحق أن تعاش، وهذه هي الحياة التي تخلد أصحابها في ذاكرة التاريخ.
وفي النهاية، سواء كنا أغنياء أو فقراء، فإن القيمة الحقيقية لوجودنا تكمن في تأثيرنا على الآخرين، في الحب الذي ننشره، في المعرفة التي نشاركها، في الإنسانية التي نخدمها. أنا سأموت وأنت ستموت، لكن الفرق بيننا سيظل قائماً في الإرث الذي نتركه وراءنا، وفي الغاية التي عشنا من أجلها.