إلى رفيق المجهول
بقلم: د. عدنان بوزان
إلى رفيق الدرب الذي شاركني عواصف الحياة، ذاك الذي وقف بجانبي في مواجهة الرياح العاتية، ولم يترك يدي رغم قوة الرياح التي كانت تحاول اقتلاعنا من جذورنا. كم من المرات اجتمعنا في قلب الليل، في تلك اللحظات التي تذوب فيها الخطوط بين الأمل واليأس، وتكلمنا بلا نهاية عن أحلامنا، وعن تلك القناعات التي جعلتنا نختار هذا الطريق الطويل والشائك. لم يكن طريقنا معبداً، ولم تكن السماء صافية، لكننا استمررنا بالمضي قدماً، معتقدين أن المقاومة ليست فقط ضد ما نواجهه من الخارج، بل ضد الضعف الذي قد يتسلل إلى قلوبنا في لحظات الهزيمة.
يا رفيقي، أتمنى أن تبقى كما عرفتك: صامداً كالجبل، لا تتزحزح أمام الأزمات، ولا تتخلى عن مبادئك مهما كانت الضغوط. أنت تعرف جيداً أن الرثاء الحقيقي لا يُكتب فقط بعد الموت، بل يُصنع في كل يوم نقف فيه شامخين أمام المغريات والطرق المختصرة. في تلك اللحظات التي نختار فيها الحق على الراحة، والفكر العميق على السطحية، والوضوح على الضبابية. لقد مشينا سوياً في طريق لا يفهمه الكثيرون، طريق مليء بالأشواك، لكنه مع كل خطوة يمنحنا ثقة أكبر بأننا نسير في الاتجاه الصحيح.
أتمنى أن تأتي اللحظة، بعد عمر طويل من الصمود، لأجلس وأكتب لك رثاءً يليق بك. ليس مجرد كلمات عن الصداقة أو الأخوة، بل عن تلك الروح النبيلة التي قاومت كل العواصف معي. سأكتب عنك كمن يكتب عن بطل قديم، يقف بين الأطلال وهو يبتسم؛ لأنه يعرف أن المعركة لم تكن عبثية. سأكتب عنك، أنت الذي لم تنحنِ للعواصف، ولم تبع أفكارك في سوق المساومة، ولم تتراجع عن قناعاتك حين كان العالم كله يحاول إقناعك بأن هناك طرقاً أسهل وأسرع.
ولكن يا رفيقي، أتمنى أن تكون صادقاً معي أيضاً. أتمنى أن تكون الصديق الذي يعرف كيف يرثيني في يوم وفاتي. ليس فقط بكلمات حزينة تُذرف من القلب، بل بأفعالٍ تعيد إحياء ما كنا نؤمن به. أن تقف شامخاً كما كنا نفعل دائماً، وتقول للعالم: "هكذا عاش، وهكذا مات". أن تكتب عني كيف قاومنا معاً، وكيف لم نترك الطريق العريض الذي كنا نؤمن بأنه الطريق الوحيد الجدير بالسير فيه. أن تقول إنني لم أكن أبداً من هؤلاء الذين يتوهون في طرقات متعرجة، يغريهم الضوء الخافت في نهاية نفق ضيق، بينما الطريق الواسع كان دائماً أمامهم.
رفيقي، نحن لسنا ممن يختارون الطريق السهل. لم نكن يوماً كذلك، ولن نكون. هذا ما يجعلنا مميزين في هذا العالم الذي يغرق في الترهات والتفاهات. عندما يتحدث الناس عنا بعد رحيلنا، لن يقولوا إننا كنا عظماء فقط لأننا حققنا نجاحاً مادياً أو منصباً مرموقاً، بل لأننا وقفنا ثابتين على أفكارنا. لأننا عرفنا أن الحقيقة ليست في الانحناء أمام العواصف، بل في الوقوف شامخين حتى وإن كانت الرياح تسعى لإسقاطنا.
في يومي الأخير، أتمنى أن تكتب عني أنني لم أخنك أبداً، ولم أخن الطريق الذي اخترناه معاً. أن تكتب أنني كنت صادقاً مع نفسي، ومعك، ومع العالم. وأنت، يا رفيقي، أعرف أنك ستكتب بحب وبصدق، لأنك الشخص الذي شاركني هذا الطريق الطويل. لقد كنا نعلم أن هذا الطريق ليس مخصصاً للجميع، وأنه يتطلب شجاعة خاصة. شجاعة تتجاوز حدود الخوف، وتلامس جوهر الإنسان وما هو أبعد من النجاح الظاهري.
في النهاية، يا رفيق الدرب، أعلم أنني أكتب هذه الكلمات الآن وأنا مليء بالأمل. الأمل بأننا سنظل نقاوم معاً، حتى النهاية. الأمل بأنني لن أضطر لكتابة رثائك قريباً، لكنني على يقين بأنني سأكتب رثاءً عظيماً عندما يحين الوقت، لأن حياتك ستكون حياة تستحق أن تُكتب وتُذكر. وحين يحين وقتي أنا، أعلم أنك ستكتب رثاءً يليق بالرحلة التي قطعناها معاً، لأننا كنا، وما زلنا، وسنظل صامدين على الطريق الذي اخترناه بعقولنا وقلوبنا.