صراخات الجروح
بقلم: د. عدنان بوزان
كم يرقة الجرح حين يتسلل إلى أعماق الوجدان، ليجد نفسه يلتقي بمحبرة الدواء، تلك البلسمة الرقيقة التي تستنشقها جذور البآلات المكلومة، تشفي جراحها برقة تحتضن أوجاعها كالأم لطفلها الصغير. يسكن الجرح تلك الدواء صداه، وكأنه نسيم لطيف يهمس بين خلايا الألم، يبث فيها حبالاً دافئة من الراحة والتخفيف.
في هذا العالم المليء بتفاصيله المعقدة، تتناثر المشاعر كالنجوم في سماء مظلمة، تلك المشاعر الناعمة والجميلة، تنسجم مع الكلمات كألحان مؤثرة تنساب في آذان الروح. ومن بين هذه المشاعر تصدح صرخات صادقة، كأنغام أصيلة تعزفها أوتار القلب بكل تأثيرها وعمقها.
هذه الصرخات تاهت في لفافات الزمن، ولكنها لم تتلاشَ، بل بقيت تتردد كإيماءة صامتة، تنسجم مع همسات اللحظات، تُرسم لوحة صامدة في خضم العواصف. تختزن هذه اللوحة ذكريات ناعسة، تنبض بأوقات مضت، وأحاسيس مرَّت بها القلوب كأمواجٍ هادئة، تتراقص على شاطئ الزمن.
وفي طيات تلك الذكريات تتسلل زفرات ملونة، كألوان قوس قزح تتناغم مع بياض الأمل وسواد الحزن. تلك الزفرات تحمل شجوناً تناثرت كزهور الألم على سفح قلوب مجردة، قلوب عرفت مرارة الحياة بكل جدرانها وأروقتها، وعرفت أيضاً حلاوتها بألوانها الزاهية وأصدائها الخفيفة.
وهكذا، يصبح الجرح رمزاً لنقاء صوت الشعوب، تلك الشعوب التي تنبض بالحياة كأمواج البحر، بلا أسوار تحدِّد حدودها، بل تتواصل وتتداخل كأوتار متناغمة في سيمفونية الوجود. إنها شعوب تنسجم مع ألحان الأمل وترنيمات الصمود، تنشد أغاني الحرية بأصوات تعبيرٍ نابعة من أعماق الروح، وترسم لوحات صادقة تعبِّر عن واقعها وآمالها بكل جرأة وجمال.
وكم تمضي تلك الشعوب في رحلة الحياة، ترتقي على دروب الصعاب بثبات وإصرار، كأبطال يخوضون معاركهم الداخلية والخارجية بشجاعة وإيمان. تمتزج زفراتها الملونة مع رياح التحديات، فتصبح تلك الشجون والآهات شموعاً مضيئة في ظلام الظروف الصعبة.
وها هم يمضون، ينطلقون نحو آفاق المستقبل، حاملين معهم تلك الذكريات الناعمة، محملين بخلاصة تجاربهم وتحدياتهم. تبقى تلك الصرخات الصامتة على لسانهم، مثل إيقاعات موسيقية ترافقهم في كل رحلة، تذكيراً بالقوة الداخلية والإرادة الصلبة.
إنها رسالة أمل تنسجم مع معاني الحياة، تشير إلى أن الجرح قد يكون مصدر قوة وتجربة، يمنح الإنسان عمقاً وتأثيراً. تُظهر لنا هذه اللوحة الصامدة أنه حينما نتعلم كيف نحتضن الألم ونختار الشفاء، نصبح قادرين على تحويل الحزن إلى إبداع والضعف إلى قوة.
لذا، في عالمنا المعقد، تظل هذه اللوحة الرمزية تنبثق كشعاع مشرق في أعماق القلوب، تذكيراً بأننا قادرون على تحويل الجروح إلى درر والصعوبات إلى فرص. وبينما نمضي قدماً في رحلتنا، يبقى هذا النغم المؤثر يرافقنا، يشدو في أرجاء الزمان والمكان، كنغمة تجمع بين الحنين للماضي والأمل بالمستقبل.