بين غروب وشروق: رحلة الحياة وجدّها وأملها

بقلم: د. عدنان بوزان

عند الغروب، تختلط الألوان وتتناغم الأحلام في سماء الحياة، حيث يلتقي الأمل واليأس، ويتداخل الفرح والحزن. في هذا العالم المتناقض، تكون لكل فرد قصة، حكاية خاصة ترويها السماء بألوانها الزاهية وأحلامها الضائعة.

هناك من يتذكر الغروب بألم، يحمل في قلبه ذكريات أشخاص غربوا عن حياتهم، لم يشرقوا مجدداً في عالمنا. قلوبهم تحمل أعباء الفراق والوداع، وتسأل عن مصير من غادروا ولم يعد لهم عنوان في كتاب الحياة.

وهناك من يراقب المطارات والموانئ بلهفة، ينتظر عودة المسافرين الذين تركوا قلوبهم خلفهم، يترقبون عبور الحب والأماني من بوابات العودة، ويحملون الورود والأمل ليستقبلوا أحبائهم بابتسامات دافئة وعيون تتلألأ بالفرح.

ولكن هناك من ينتظر غروب أمانيه بقلق وقلب مثقل بالأحزان، يراقب كيف انطفأت شمعة أمله ببطء، وكيف تساقطت وردة حلمه من ساقها إلى الأرض الجافة. يعتصر الندم قلبه، والوجع والألم يفتك بروحه قبل جسده، ويبحث في ذاكرته عن لحظات ضائعة وأحلام تبخرت في هواء الواقع.

وهناك من يتمتع بجمال الغروب، ينظر إلى الأفق بعيون مشرقة، قلبه مليء بأمل الشروق والإيمان بقدوم غد جديد. رغم تعدد القصص والروايات، إلا أن الأوراق الصفراء لا تصمد أمام الرياح الخريفية العاتية، تتناثر وتذهب مع الرياح، ولكن الأوراق الخضراء تبقى صامدة، تطفو على الشجرة جمالاً ورونقاً، تحمل أمل الحياة وقوة الاستمرارية.

فالعظيم هو من يقف شامخاً ويتحدى المصاعب، يقف في وجه الرياح صامداً، يمسك بأحلامه ويسعى نحو تحقيقها، ويشق طريقه بإصرار وعزيمة إلى بر الأمان والنجاح. إنه الذي يفهم أن الحياة كالغروب والشروق، تجمع بين الفرح والألم، وأنه لا يمكن للشمس أن تشرق بدون غروب، ولا يمكن للحلم أن يتحقق بدون عزيمة وصبر. في غمرة هذه اللحظات الساحرة، ندرك أن الحياة تعلمنا دروساً قيمة عند كل غروب وكل شروق. إنها تذكير بأن كل غيمة سوداء ستزول في النهاية، وكل صباح جديد يحمل في طياته وعوداً بالأمل والتجدد.

فكم منّا يستيقظ في الصباح بقلب مليء بالشكر والامتنان عندما يرون أول ضوء يملأ السماء، ويدركون أنهم ما زالوا على قيد الحياة، ولديهم فرصة جديدة لبناء الأحلام وتحقيق الطموحات. في هذه اللحظات، يشعر الإنسان بقوة لا يمكنه وصفها، تلك القوة التي تنبع من الإصرار والإيمان بأن الغد يمكن أن يكون أفضل.

في كل مرة يمر فيها الإنسان بغروب، يزداد تقديره لجمال الشروق. يدرك أن الظلام لا يستمر إلى الأبد، وأن الليل يستعد دائماً لاستقبال فجر جديد. إنها فرصة لإعادة البناء وتجديد النفس، والبداية من جديد بعزيمة وإصرار.

لذا، دعونا نتعلم من الغروب والشروق، ولنكن مثل تلك الأزهار الجميلة التي تنمو في ظل الشمس، حيث تستخدم الضوء الساطع لتنمو وتزهر رغم الظروف القاهرة. دعونا نكن مثل الأوراق الخضراء التي تصمد أمام الرياح العاتية، نحمل الأمل في قلوبنا ونستمر في النمو والتطور رغم التحديات.

إنها رحلة الحياة، مليئة بالمفاجآت والتحديات، ولكن في النهاية، الشمس ستشرق مجدداً، وستزهر الأمل والسعادة في قلوبنا. إنها الدورة الحياتية الطبيعية، حيث يتلاقى الغروب والشروق، ويبقى الإنسان واقفاً صامداً، جاهزاً لاستقبال كل ما تخبئه الأيام المقبلة بابتسامة وثقة.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!