رقصة الحبر: بين آهات الفراق ولحن الأمل
بقلم: د. عدنان بوزان
في لحظة من السكون، حينما يسود الليل الظلام، أجلس وحدي أمام دفتري الممزق، أمام مرآة الذكريات التي تعكس وجهاً باهتاً من بين أوراق الزمن. أفتح صفحات الدفتر بحذر، كمن يخترق بوابة الزمن ليعيش لحظات قديمة ويسترجع أحاسيس ضاعت في دهاليز الذاكرة.
أسكب حبري بتأني، كأنني أرسم بريشة فنان مبدع، لأخرج بين السطور مشهداً مؤثراً من ذاكرتي المتراقصة. كان ذلك الزمان الذي كنت فيه سبباً لدمعة انكسرت على شفاه أحدهم. رغم أنني حاولت جاهداً أن أجعل تلك الدمعة تحلق بعيداً في نسياني، إلا أنني فشلت في إبعادها عن طريق قلبي، وكأنني قيدتها بسلاسل من الحنين.
في يدي، كانت باقة الشوك التي أهديتها، رمزاً للألم الذي ألقيته في درب حياتها. كانت كل كلمة كتبتها كسيف حاد يخترق جدران قلبها، وكل حرف ينثر نزيفاً من ذكرياتها الجميلة. أمام عيني، تمزج الكلمات بين لحن الألم وصرخة الأمل، كأنني أحاول تحديد مصير الحياة بين أضلع الورق.
وبين يدي، اكتملت صورة الفراق والألم. كانت الحروف تشكل لوحة فنية، حيث يتلاقى الأسود مع الأبيض، والألم يتناغم مع الأمل في رقصة غامضة على خشبة الذكريات. كنت أصبغ بألوان الحزن والشجن، لأعيد إحياء لحظات مضت برغم الزمن الذي تجاوزناه.
وفي لحظة من السكون، كانت الأقلام تتراقص على الورق كما ترقص النجوم في سماء ليل هادئ. كانت الكلمات تتساقط مثل قطرات الندى على ورق الذاكرة، تروي قصة حب مليئة بالأحاسيس والمشاعر الصادقة.
في تلك اللحظة، كانت الكلمات تكشف عن روحي المكبوتة، وكأنني أراقب ذاتي وأنا أتأمل قسوة الزمن وجبروت الحياة. كلماتي كانت مرآة تعكس وقائع مؤلمة، ولكنها في الوقت نفسه تحمل قوة النسيان والبحث عن بداية جديدة.
ومع انتهاء الصفحات، ألقي نظرة من نافذة الخيال إلى أفق الذكريات. كانت الصور تتلاشى كالأشباح في رياح الليل، تذهب وتأتي كموج البحر. وأنا هنا، محاصر بين أمواج الفرح والألم، أستمع إلى صوت الرياح وأرى الأفق يتلاشى مع كل نسمة.
وكما انتهت صفحات الدفتر، انطوت ذكرياتي في أغنية الليل الساحر. كانت كلماتي جسراً يربط بين الماضي والحاضر، حاملة في طياتها حكاية معبرة عن مرارة الفراق وجمال الذكريات.
وفي صمت الليل، بينما يعانقني الصمت وتختفي كلماتي في هدوء الظلام، أدرك أن الكتابة ليست مجرد إيقاع للحروف والكلمات، بل هي لحظة تجلي وتعبير عن رحلة الروح والقلب في غمرة العواطف.
وبينما ينساب الحبر على أوراق الذاكرة، يظل السؤال يتردد في أفق روحي: هل كانت تلك اللحظات تستحق كل تلك الآهات؟ هل كانت السعادة تستحق هذا الثمن من الألم؟
أنا الذي كانت حروفي تسكب كأنها موسيقى حزينة، تتناغم مع نغمات الأمل واليأس، تتراقص في عرض الصفحات كما يرقص الورد في حقل الربيع. وفي هذه اللحظة، أجد نفسي عالقاً بين ذاكرة الألم وأمل يتسلل في أعماقي كنور الفجر.
في كلماتي، كنت أحاول فك الشفرة التي رسمتها ذاكرتي، وكأنني أحفر في طيات الزمن لأجد جواباً عن سؤالي المتكرر. هل كانت تلك اللحظات الجميلة تستحق كل تلك الآهات؟ كم تكون الحياة متقلبة بين لحظات السعادة والألم، وكم يظل الإنسان راقداً في حضن التناقضات والمشاعر المتناقضة.
وفي هذا السرد الأدبي، ينساب الحبر كنهر من الرومانسية والتأمل. كأن الأقلام كانت عقلانية، تستنطق عمق الأحاسيس وتحفر في جدران الزمن لتكشف عن الجمال والألم الذي يتخذ من اللحظات الماضية لوحة فنية.
في الختام ، أجد نفسي يطوي الدفتر بحنين، كمن يغلق باباً من الزمن، لكنه في الوقت ذاته يفتح نافذة جديدة نحو مستقبل يحمل في طياته أمل جديد. ربما تكون هذه الكلمات هي الخطوة الأولى نحو فصل جديد في حياتي، حيث يمكنني أن أرسم صفحات جديدة، بألوان تحمل في طياتها خيوط الفرح والتجديد.
وفي هذه اللحظة الهادئة، يعود الصمت ليحتضنني برقة، كما لو أن الكلمات قد قالت كل ما فيها وتركت المساحة للصمت الذي يحمل في طياته الكثير من التأمل والسكون. وأنا هنا، أترقب بفارغ الصبر فجر يوم جديد، حيث تستمر رحلتي في كتابة حكاية الحياة بألوان مختلفة، معتمداً على تلك اللحظة الجميلة التي استنبطتها من بين أسطري..