صرخة الأرواح المخنوقة بالألم

بقلم: د. عدنان بوزان

عندما يخنق الألم الأرواح البريئة، يتحول العالم إلى مكان مظلم تتشوه فيه ملامح الحياة. تلك الأرواح التي لم تعرف سوى الصفاء والنقاء تجد نفسها فجأة في مواجهة مع قوة لا ترى ولا تُلمس، لكنها تشعر بها تسرق منها أنفاسها، لحظة بعد لحظة، حتى يتبدد الأمل وتصبح كل نفس ثقيلة وكأنها آخر ما يمكن أن تحتمله.

في تلك اللحظات القاسية، يلتف الألم حول القلب كالأفعى السامة، يجثو على صدر البراءة ويسحب منها كل ألوان الفرح. تنطفئ أعين الأطفال التي كانت تلمع كبريق النجوم، وتتلاشى ابتساماتهم التي كانت تضيء كل زاوية مظلمة. تلك الأرواح التي كانت تجوب العالم بروح الطفولة المتألقة، تجد نفسها فجأة مكبلة بقيود لا يمكن كسرها، وقيدتها الأوجاع وكأنها سجينة في زنزانة بلا نوافذ.

كل يوم يمر، وكل ساعة تنقضي، تصبح هذه الأرواح أكثر وهناً، وتزداد جراحها عمقاً. الألم لا يعرف الشفقة، فهو يعيث فساداً في أعماقهم دون رحمة، يزرع في قلوبهم مشاعر الحزن والخيبة. تلك الأرواح التي لم تعرف سوى الحب، تكتشف الآن وجه العالم القاسي، حيث الحزن يطفو على سطح كل لحظة، وحيث الألم يصبح جزءاً من كيانهم، لا يفارقهم حتى في أحلامهم.

يتحول الحزن إلى ظلال تلاحقهم في كل مكان، ولا يدعونهم لحظة واحدة حتى يستردوا بعضاَ من أنفسهم. يبكون في صمت، تتدفق الدموع كأنها نهر لا ينتهي، يحاولون البحث عن دفء الحب الذي كان يحيط بهم، لكنهم لا يجدون سوى برد الوحدة.

وعندما تتفاقم الأمور، يصلون إلى مرحلة لا يستطيعون فيها حتى البكاء. تصمت الشفاه، وتكتفي العيون بالنظر إلى الفراغ، كأنهم يبحثون عن شيء لم يعد موجوداَ. يشعرون بالوحدة تعانقهم، وتصبح الوحدة رفيقهم الوحيد في هذا العالم الذي لم يعد يفهمهم. يُثقل الحزن كواهلهم، ويجعلهم يشعرون أن الحياة مجرد حلقة من الألم المستمر، وأن كل خطوة يتخذونها لا تزيدهم إلا بعداَ عن البراءة التي فقدوها.

في أعماق هذا الظلام، يتساءلون: هل من سبيل للخلاص؟ هل يمكنهم العودة إلى ما كانوا عليه؟ أم أن الألم أصبح جزءاَ لا يتجزأ من أرواحهم، ولن يتمكنوا من الفرار منه أبداَ؟

لكن مع كل هذا، يبقى هناك بصيص من النور في قلوبهم، شعلة صغيرة تقاوم الانطفاء، تحاول التمسك بالحياة. ربما هذا البصيص هو الذي يمدهم بالقوة للاستمرار، ليبحثوا عن طريق للهروب من هذا الألم الذي يخنقهم. يظل الأمل في أعماقهم، صغيراَ لكنه موجود، كأنهم يتشبثون ببقايا الإنسانية التي كانت يوماَ جزءاَ من كيانهم.

وهكذا يستمرون في العيش، يبحثون عن تلك اللحظة التي قد تمنحهم الراحة، قد تكون بعيدة لكنها ليست مستحيلة. يرفضون الاستسلام، ويصرون على المقاومة، حتى وإن كان الألم يخنقهم، فإن أرواحهم ترفض أن تنطفئ تماماَ، تظل متشبثة ببعض الضوء، على أمل أن يأتي يوم ما ينقذهم من هذا السجن الذي أصبح حياتهم.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!