أنين الوطن تحت سماء المنفى

بقلم: د. عدنان بوزان

في لحظات الليل الهادئة، حيث تتعالى همسات الرياح من خلف النوافذ المغلقة، ويُسدل ستار الظلام على قلبه المثقل، ينزف الرجل في صمت. شوارع المدينة التي احتضنته منذ زمن بعيد، والحياة التي أوجد فيها ملاذه، لم تعد تبعث في قلبه سوى جروحٍ متجددة.

ينزلق بصره نحو السماء الملبدة بالغيوم، وكأنه يبحث عن بصيص أمل بين ضباب الليل. هنا، في هذا المنفى القاسي، تتوارى بين ثنايا روحه نكبات الاشتياق التي تقضّ مضجعه، وكأن كل سحابة عابرة تحمل ثقل ذكريات الوطن الذي تركه خلفه.

كل زاوية من منزله تذكره بدفء الأرض التي نشأ عليها، بكل ملمس من ملابس أسرته القديمة، وبكل رائحة طعام كان يحبه صغيراً. كان يتجول في أرجاء بلدته الصغيرة، يتلمس التراب تحت قدميه، ويشعر بأن الحياة تستمر بكل بساطة وسلاسة. لكن تلك الأيام تبددت مع الرياح التي جرفت أحلامه، تاركة وراءها فقط أثراً من الحنين وألماً لا يُحتمل.

عندما يتذكر صوت الجيران وهو يهمس في أذنه، وصدى الذي كان يملأ الشوارع، تزداد دموعه حرقة، وكأن كل قطرة منها تحمل عبئاً لا يُطاق. يتخيل نفسه عائداً إلى هناك، لكن الأحلام التي كان ينسجها تنهار أمامه، فتجعل الألم يضاعف من وطأته.

يحاول أن يطرد الذكريات الموجعة، لكنه لا يستطيع؛ لأن كل جزء منه يتوق إلى تلك الأرض الطيبة، إلى ذلك الوطن الذي غادره مرغماً. كل كلمة يتلوها، كل صلاة ينطق بها، تحمل في طياتها دعاءً صامتاً للعودة، ولو حتى للحظة واحدة، إلى مكان يشعر فيه بالانتماء والأمان.

وهو هنا، بعيداً عن مسقط رأسه، يحترق داخلياً من أجل وطنٍ أصبح حلماً بعيد المنال، ويستمر في البكاء على فقدانٍ عميق لا يمكن لأي تعبير أن يصفه. في وحدته العميقة، حيث يراقب ساعات الليل تزداد طولاً، ينمو الحزن في قلبه كأعشاب ضارة، وتبقى ذكريات الوطن تهمس في أذنه، تنعش بداخله ألم الفراق الذي لا ينتهي.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!