رفقاً بنا أيتها الحياة

بقلم: د. عدنان بوزان

رفقاً بنا، أيتها الحياة، فنحن لم نعد كسابق عهدنا. تغيّرت ملامحنا، واهتزت قلوبنا، وأصبحت أرواحنا بقايا تتلاشى في زوايا الذكريات. نحن الذين كنا نعيش بضحكاتنا العالية، صارت أصواتنا اليوم همسات باهتة تخجل من البوح بما يجول في خواطرنا. كانت ضحكاتنا تجلب السعادة، كفراشات تتراقص في الأجواء، أما الآن، فقد تحولت تلك الضحكات إلى أشباح تطاردنا، تتلاشى في ضباب الأيام.

أصبحنا غرباء، ليس فقط عن العالم من حولنا، بل حتى عن أنفسنا. الأحلام التي كنا ننسجها بألوان من التفاؤل والبهجة، تبددت في زوايا الفوضى والقلق. لم تعد الأفراح تسعدنا كما كانت، فهي تأتينا كزائر عابر يمر مرور الكرام، لا يترك خلفه سوى آثار خافتة. أما الأحزان، رغم حدتها، فلم تعد تبكينا؛ كأننا فقدنا القدرة على الإحساس بالآلام التي كانت تُشعرنا بأننا أحياء.

لقد كبرنا، وتحولت أحلامنا إلى حكايات تُروى في ظلال الذاكرة. رفقاً بنا، فنحن الصرخة الأخيرة لجيلٍ لا نعرف إن كان يولد أم يحتضر. نتجول في دروب الحياة وكأننا نبحث عن أنفسنا في وجوه الغرباء، نحمل أعباء الأيام الثقيلة، وننظر إلى ما حولنا بقلق غامض، كمن يواجه غياهب المجهول.

القلق بات ملازماً لنا كظلّ لا يفارقنا، يبعثر أحلامنا، ويجعلنا نشعر بأننا محاصرون. حتى الدموع، التي كانت تنفجر من أعماقنا في لحظات الألم، أصبحت تخجل من الانسكاب وحدها. بل أصبحت تسقط كالشلالات، مصاحبة لغياب الأصدقاء، وللذكريات الجميلة التي باتت كلوحات متحركة في أذهاننا، نراها ولا نلمسها، نتذكرها ولا نستطيع استعادتها.

في كل يوم يموت شيء داخلنا. كل وداع يحفر عميقاً في قلوبنا كجرح لا يندمل، يذكّرنا بأوقات مضت وبأشخاص رحلوا. تجمدت مشاعرنا في زوايا الخوف والفقد، وأصبحنا نعيش في عالم مليء بالصمت، حيث لا يُسمع سوى صدى الذكريات.

رفقاً بنا، أيتها الحياة، فقد كنا نحمل في قلوبنا أشواقاً لا تنتهي. نبحث عن بصيص أمل وسط الظلام، ننتظر الفرح الذي يلوح كطيف بعيد، لكننا نشعر بأنه يتلاشى مع كل خطوة نخطوها. الأيام تتقلب، والسنوات تمر، ونبقى نواجه تلك الألغاز بلا حلول.

رفقاً بنا، فنحن نعيش في دوامة من التحولات، نغوص في أعماق الذات باحثين عن الإجابات، ومع كل إجابة جديدة، نكتشف أسئلة أخرى. نحن الأثر الذي تركته الحياة على ضفاف الزمن، بين صراخ الفرح ودموع الحزن، ننتظر لحظة تعيد إلينا الطمأنينة المفقودة، تلك اللحظة التي تعيد تشكيل أرواحنا من جديد، لنُبعث كطيور تنطلق نحو السماء.

رفقاً بنا، أيتها الحياة، فلقد نضجنا وذقنا مرارة الفقد، ولكن لا تزال في قلوبنا مساحات للحب، وللأمل، وللذكريات التي نرسمها بألوان خافتة في لوحات أرواحنا.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!