صرخة شبابي بين صفحات الزمان
بقلم: د. عدنان بوزان
يا قارئَ كتاب حياتي، أبكي على شبابي الذي انسلَّ من بين يديَّ كما تنسلُّ رمال الزمن بين أصابعنا، دون أن نقدر على الإمساك بها. أبكي على تلك اللحظات التي ضاعت في لهوٍ لا يعود، وعلى كل ابتسامةٍ عابرةٍ مرَّت دون أن أدرك أنها كانت آخر شعاعٍ من شمسٍ غابت. اليوم، أنا بينكم، جسداً يتحرك ويتنفس، لكنني أشعر بثقل الزمان يزحف على كتفي، يهمس في أذني بتذكيرٍ لا يرحم: "غداً ستكون تحت التراب."
آه، يا قارئي العزيز، كم أتمنى لو استطعت أن أعيش كل يومٍ من حياتي كأنه يومي الأخير. تلك الأحلام التي بنيتها في أفق المستقبل كانت كالسراب، وكلما اقتربت منها وجدت نفسي أبعد مما كنت أظن. يا لقسوة العمر حين يدركك في لحظةٍ خاطفة، فتكتشف أن كل ما كنت تطارده ليس إلا أوهاماً.
أبكي على تلك الساعات التي أهملتها، على حبٍ تركته يهرب من بين يديَّ لأسباب تافهة، على صداقةٍ لم أعتنِ بها كما ينبغي، وعلى لحظاتٍ كنت أظنها دائمة. أين ذهبت تلك الضحكات التي شاركتها مع أصدقائي في زوايا الطرقات؟ أين تلك النسمات العذبة التي داعبت وجهي وأنا أنظر إلى السماء متأملاً أحلاماً لم تتحقق؟ كلها الآن مجرد ذكرياتٍ باهتة، تسكن في عمق القلب لكنها لا تعود إلى الحياة.
غداً، سأكون تحت التراب، وسينساني الكثيرون. ستمرون بجانبي كما تمرون الآن، لكني لن أكون بينكم. سأكون صفحة طُويت، واسماً نُحت على شاهد قبر. ستنمو الأزهار فوقي، وتذبل كما ذبلت أنا في حياتي، وستمر الفصول دون أن تترك أثراً في تلك الأرض التي تحتضنني. وما الذي سيبقى؟ كلماتٌ كتبتها في لحظاتٍ صادقة، دموعٌ ذرفتها على ما فات، وآثار خطواتٍ قديمة لن يتذكرها أحد.
يا قارئَ كتاب حياتي، لا تجعل أيامك تمر دون أن تملأها بالحب والضحك والعطاء. ابكِ على شبابي إن شئت، لكن الأهم أن تعيش شبابك أنت. اليوم أنا بينكم، وغداً سأكون مجرد ذكرى، لكنك أنت ما زلت تملك الوقت. احمله بحنان، واغتنم كل لحظة كأنها الأخيرة، لأن الوقت حين يرحل لا يعود.
فيا ليتني استعدت تلك اللحظات التي أضعتها دون إدراك، ليتني احتضنت كل ثانية من شبابي بقوة، لأنني اليوم أراه من بعيد، كطائرٍ حلق بعيداً عني، ولم أعد أملك له جناحاً يعيدني إليه.