صراخ من أعماق الألم
بقلم: د. عدنان بوزان
في زحمة الحياة، حيث يسود الصخب وتعلو أصوات الضجيج، أجد نفسي غارقاً في مشاعر عميقة تنسج خيوطها في روحي، كما تنسج العناكب شباكها في زوايا البيوت القديمة. كل لحظة تمر تثير في قلبي ألماً يتراقص في زوايا نفسي، يتجسد في ذكريات مؤلمة وصراعات لم تنتهِ، صراعات تشتعل كاللهب في قلب الظلام. كنتُ دائماً ذلك الإنسان الصادق الذي يسعى إلى العدالة، لكن في عالم لا يرحم، يبدو أن لا مكان له. كلما سرتُ نحو هدفٍ ما، تفاجأت بأفخاخ اليأس والحزن، وكأن القدر يضع العثرات في طريقي ليختبر إرادتي.
سنوات من النضال والمقاومة تشهد على ما عانيته. لقد كانت أحلامي تتلاشى واحدة تلو الأخرى، تُحطم على صخرة الواقع، كأنها زهور جميلة تسقط في عاصفة هوجاء. خيبات الأمل كانت طعنات متكررة في خاصرتي، طعنات من أقرب الناس، ومن أولئك الذين اعتقدت أنهم سيقفون بجانبي، داعمين لي في أحلك الأوقات. والآن، كل ذكرى أسترجعها تعيد إلى ذهني صدى الألم، وكأن الزمن لا يرحم، وكأن كل صرخة محبوسة في صدري تزداد حدةً، تبحث عن مخرج لكن دون جدوى.
لكن الألم، رغم كل شيء، لم يكن مجرد عائق؛ بل أصبح جزءاً من هويتي، كعلامة تجارية لا يمكن محوها. علمتني تلك التجارب أن أكتب، أن أعبّر عن نفسي من خلال الكلمات، لأنني أعلم أن الكتابة هي ملاذي. فيها أجد نفسي، وفيها أجد حريتي. أكتب لنفسي، لأجلي، ولأجل كل من يتألم في صمت، أولئك الذين لا يمتلكون صوتاً، أو الذين جُرّدوا من كلماتهم.
ففي كل كلمة أكتبها، أجد جزءاً من نفسي يُعيد تجسيدي، كأنني أضع كل جراح قلبي بين سطور كتابتي. يتحول ألمي إلى إلهام، وكأنني أستلهم من جروحي جمالاً جديداً. قصتي تُصبح جزءاً من قصة الإنسانية، تضاف إلى السجل الطويل للتجارب البشرية. قد لا أستطيع تغيير العالم، لكنني أستطيع أن أكتب عن ألمي، وأن أتحول من مجرد ضحية إلى صوتٍ يُسمع، ينادي بالحق، ويطالب بالتغيير.
ورغم كل ما واجهته، أستمر في كتابة حياتي. أستمر في التعبير عن كل ما يجول في نفسي، حتى عندما تشتد العواصف، وحتى عندما يبدو الطريق مسدوداً. الألم هو جزء من رحلتي، لكنه لا يعرف حدوداً. سأبقى أكتب حتى تنفذ الحروف، حتى أشعر أنني قد عبرت عما يجول في قلبي، حتى تتحول جراحي إلى أغاني تُغنى، وتصبح همسات روحي ألحاناً ترقص في فضاء الحياة.