حنين... كيف أسأل عنك؟
بقلم: د. عدنان بوزان
في زوايا القلب، حيث تتداخل الذكريات كخيوط رقيقة من السعادة والألم، يبدأ صوت الحنين في النشيد. يتسلل كنسيم دافئ، يلامس الروح ويوقظ في الأعماق مشاعر غامضة كانت في سبات. كيف أسأل؟ كيف أستطيع أن أعبر عما يعتمل في صدري من مشاعر مختلطة؟ هل يكفي أن أكتب الكلمات على ورق قديم، أم أن هناك شيئاً أعمق من مجرد الحروف؟
أجلس في زاوية صغيرة من مقهى قديم، حيث تتداخل رائحة القهوة المحمصة مع عطر الذكريات. الناس من حولي يتحدثون، يضحكون، يشاركون لحظاتهم، لكنني أجد نفسي تائهاً بين ضفتي الماضي والحاضر. أراهم، لكنني لا أراهم. كلما نظرت إلى الزجاج، انعكست فيه صورتي، لكنني أرى من خلال عيني الذكريات التي ترفض النسيان. كيف أسأل عن تلك اللحظات السعيدة التي نثرناها معاً كأوراق الشجر التي تتراقص في رياح خريفية؟
آه، كيف أعود إلى ذلك اليوم؟ ذاك اليوم الذي تجمعت فيه النجوم في سمائنا، وكنت أنت الحلم الذي تحقق. كان صوتك ينساب كالندى في صباح ربيعي، يلامس قلبي برقة. كانت الأحاديث تدور بيننا كأنها رقصات من طرب، وكأن العالم الخارجي لا وجود له. كيف لي أن أستعيد ذلك الإحساس؟ كيف لي أن أستحضر تلك الابتسامة التي كانت تضيء لياليي؟
أقلب الصفحات في ذاكرتي، أرى ملامحك، أسمع ضحكاتك. كل تفاصيلك تنبض في كياني، لكنني أشعر أنني ضائع. كيف أسأل عنك؟ كيف أستطيع أن أعبر عن هذا الفقد الذي يعصف بروحي؟ كان الفراق كما لو أنه هزيمة، لكنه أيضاً كان جزءاً من تلك اللعبة الغريبة التي نسميها الحياة.
أفكر في كل ما يمكن أن أقوله. أريد أن أصرخ، أن أحتضن كل تلك المشاعر، لكن الكلمات تأبى أن تنطق. كلما اقتربت من تلك الحدود، تصطدم أفكاري بحواجز من الخوف والتردد. ماذا لو لم تفهم؟ ماذا لو كان صدى صوتي ضائعاً في ضوضاء الحياة؟ كيف أسأل عنك وأنت بعيد كنجمة في سماء بعيدة؟
تتسرب دمعة من عيني وأنا أسترجع تلك اللحظات. أعود إلى حديثنا عن الأحلام، عن المستقبل، وعن الأمل الذي كان يضيء دروبنا. لقد وعدتنا بأن نكون معاً، أن نحقق كل ما حلمنا به، لكن الحياة كانت قاسية كعاصفة، فتفرقت بنا السبل. كيف أسأل عن تلك الوعود التي تبددت كغبار في مهب الريح؟
مع كل نبضة في قلبي، أشعر بالحنين يشتعل. كلما حاولت أن أتجاهل الأمر، تزداد لهفته. أفكر في رسائلي التي لم أرسلها، وفي الكلمات التي تجمدت على شفاهي. كيف أسأل؟ هل أكتب إليك رسالة أعبّر فيها عن كل ما أود قوله، أم أن ذلك سيجعل الفراق أكثر وضوحاً؟
أفكر في البحر، في الأمواج التي تتلاطم على الشاطئ، كيف يمكن أن تكون تشبيهاً للحب الذي عشنا. كل موجة تحمل معها قصة، لكن كل موجة تمضي، تاركة وراءها أثراً. كيف أسأل عن تلك الآثار التي تركتها في قلبي؟ هل تكفي الذكريات؟ هل يمكن أن تعيدني إليك؟
في النهاية، أجد نفسي مدفوعاً للكتابة، للعبث بالحروف، لإخراج ما يعتمل في أعماقي. ربما هذه هي طريقتي في السؤال. ربما الكتابة هي جسر يربط بين أرواحنا، رغم المسافات. كيف أسأل؟ أسأل بحروف مكتوبة، بأسلوب يدفعني لفتح قلبي على مصراعيه. فالحياة قصيرة، والحنين هو ما يبقى.
سأكتب إليك، لأقول إنني أفتقدك، وأن الحنين الذي يسكنني هو عبارة عن حوار داخلي طويل، أستجدي فيه روحك وأبحث عنك في كل زاوية من زوايا قلبي.