اكتب يا قَدَر على صفحات تاريخي المؤلم

بقلم: د. عدنان بوزان

اكتب يا قَدَر، فأنا ذاك الكتاب المفتوح على وجعٍ لا ينتهي، أوراقي مبعثرة في مهب الريح، وصفحاتي مثقلة بحبرٍ أسود لا يمحوه الزمن. انقش على سطوري العارية، بأقلامٍ من شوكٍ وأحبارٍ من دمعٍ، حكايةَ روحٍ تعثرت بأشواك الحياة وسقطت في هوة الألم.

اكتب يا قَدَر، ولا تتردد. فكل صفحةٍ من تاريخي شاهدة على معارك خضتها بلا درع، وعلى ليالٍ أكلني فيها البرد واحتضنتني العتمة كأمٍّ حنون تخفي عني قسوة العالم. اكتب عن ذلك الطفل الذي رأى في النجوم أحلاماً معلّقة، وحين كبر أدرك أنها كانت مجرد سرابٍ يخدع الأبصار.

اكتب عن خيباتي التي تحولت إلى أوطانٍ أعيش فيها، عن الأحلام التي تساقطت من بين أصابعي كرمادٍ تذروه الرياح. اكتب عن الأصدقاء الذين كانوا كالفراشات، اقتربت منهم فاحترق جناحاي، وعن الوعود التي قُطعت لي وكانت كالأطياف، جميلة لكنها عصية المنال.

اكتب يا قَدَر عن وجهي الذي صار مرآةً لليأس، عن عيوني التي غدت سجينة الدموع. اكتب عن ليالٍ طويلة كنت فيها وحيداً، أصارع الوحوش التي تسكن داخلي، وعن صباحاتٍ رمادية لا تحمل سوى صدى الماضي القاسي.

اكتب عن قلبي الذي حمل ما يفوق طاقته، عن نبضاته التي كانت تنادي الحياة، لكنها لم تجد إلا صدى الموت. اكتب عن تلك الطرق التي سلكتها ظاناً أنها تؤدي إلى النور، فإذا بها تنتهي في هاويةٍ مظلمة.

اكتب يا قَدَر، لكن لا تكن قاسياً دائماً. دع بين صفحاتي فراغاً، مساحةً صغيرةً للضوء الذي كاد ينساني. اكتب عن تلك اللحظات التي التقطت فيها أنفاسي وسط غابة الأحزان، عن ابتسامةٍ خجولة كسرت جدار الصمت في روحي، وعن يدٍ امتدت نحوي في ظلام الأيام لتوقظ في قلبي بارقة أمل.

اكتب عن الشجاعة التي وُلدت من رحم الألم، عن القوة التي جعلتني أقف مجدداً بعدما ظننت أني لن أنهض أبداً. اكتب عن روحي التي، رغم كل الانكسارات، ما زالت تشتعل كجمرةٍ تحت الرماد.

اكتب يا قَدَر، لكن لا تجعل كلماتي مجرد شكاية. اجعلها قصيدةً حزينة، أغنيةً تحمل في طياتها عذوبة الألم وعظمة التحمل. اجعلها شاهداً على أن الحياة، رغم قسوتها، تخفي في أعماقها دروساً لا يدركها إلا من عاش الألم وواجهه.

اكتب عني كإنسانٍ تألم، لكنه تعلّم كيف يحوّل الألم إلى حكمة، وكيف يزرع في أرض الخيبة بذور الأمل. اكتب عني كحكايةٍ غير مكتملة، ما زالت فصولها تُكتب، وما زال بطلها يقاوم.

اكتب يا قَدَر، واكتب كثيراً، فأنا لم أعد أخشى الألم، ولم أعد أهرب من الحزن. اكتب كل شيء، ولا تتردد في تعريتي أمام الزمن. أنا صفحاتك البيضاء، اكتب فيها ما شئت، لكن تذكّر أن النهاية لم تُكتب بعد، وأن في داخلي حكاية تنتظر أن تُزهر من بين الأنقاض.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!