دلالات الاجتماع الثلاثي بين "قسد" و"مسد" والإدارة الذاتية ومسارات التنسيق مع دمشق
- Super User
- ما وراء الخبر
- الزيارات: 1309
آزادي بوست: شهدت الساحة السورية تطوراً لافتاً تمثل في الاجتماع الثلاثي الذي ضم قيادات من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومجلس سوريا الديمقراطية (مسد) والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. هذا الاجتماع، الذي أفضى إلى سلسلة من التفاهمات مع الحكومة السورية، يعكس تحولات مهمة في المشهد السياسي والعسكري للمنطقة، وسط تطورات إقليمية ودولية متسارعة.
أولاً: أبعاد الاتفاق: إعادة تموضع أم انخراط كامل؟:
من أبرز نتائج الاجتماع الاتفاق على دمج "قسد" والمؤسسات الأمنية التابعة للإدارة الذاتية ضمن الهيكلية الرسمية للجيش السوري. هذه الخطوة ليست مجرد تحول تنظيمي، بل تعكس تقارباً استراتيجياً مدروساً يهدف إلى توحيد القوى المسلحة تحت مظلة وطنية، وهو مطلب أساسي لطالما سعت إليه دمشق.
لكن السؤال الأبرز: هل يمثل هذا الدمج خطوة تكتيكية لتجنب صدام محتمل مع القوات الحكومية، أم أنه مؤشر على انخراط كامل في المنظومة الرسمية؟ الإجابة تكمن في مدى تنفيذ هذا الاتفاق فعليًا على الأرض، خاصة في ظل تعقيدات العلاقة بين دمشق و"قسد"، التي لطالما احتفظت بمسافة بين مشروعها السياسي والمركزية السورية.
ثانياً: إعادة تموضع المؤسسات: بين تعزيز النفوذ وتقديم التنازلات:
لم يقتصر الاتفاق على الشق العسكري، بل شمل أيضاً إعادة تفعيل المؤسسات المدنية والخدمية التابعة للدولة السورية في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية. هذه الخطوة تعني عملياً تعزيز حضور دمشق في الشمال الشرقي، بعد سنوات من الإدارة المستقلة لتلك المناطق. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يشكل ذلك تنازلاً من قبل الإدارة الذاتية عن مشروعها الفيدرالي، أم أنه مناورة سياسية لتخفيف الضغوط العسكرية والاقتصادية؟
ثالثاً: الانسحاب من الأجندة الدولية: مصير المقاتلين الأجانب:
من النقاط الأساسية التي تم التوافق عليها، خروج جميع المقاتلين غير السوريين من صفوف "قسد"، وهو أمر يتجاوز البعد المحلي ليشمل الأبعاد الإقليمية والدولية. فالقوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لطالما استخدمت ورقة "قسد" كورقة ضغط في المشهد السوري. وإذا ما تم تنفيذ هذا الاتفاق فعلياً، فإنه قد يشكل إشارة إلى تقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتعزيز فرص التقارب بين دمشق وحلفائها في محور المقاومة.
رابعاً: تأثير التحولات السياسية في دمشق:
يأتي هذا الاتفاق في سياق متغيرات سياسية داخل دمشق، مع صعود الرئيس أحمد الشرع إلى سدة الحكم بعد إطاحة نظام بشار الأسد. وقد بادر قائد "قسد"، مظلوم عبدي، إلى تهنئة الشرع، مشدداً على ضرورة تعزيز الحوار الداخلي، بل ودعا الرئيس الجديد إلى زيارة مناطق الشمال الشرقي، وهو ما يشير إلى استعداد متزايد للانخراط في عملية سياسية شاملة.
لكن في المقابل، لا تزال هناك عقبات جوهرية تعترض طريق التفاهم النهائي، أبرزها مسألة طبيعة الحكم في مناطق الإدارة الذاتية، وآليات دمج القوات المسلحة، والضمانات المتعلقة بحقوق المكونات المختلفة، خاصة الكورد.
خامساً: رهانات المستقبل: أي سيناريوهات محتملة؟:
1- الاندماج التدريجي: قد نشهد تنفيذاً متدرجاً للاتفاق، يبدأ بعودة المؤسسات الخدمية ثم يطال الملفات الأمنية والعسكرية، في مسار يهدف إلى تحقيق اندماج سلس بين "قسد" والجيش السوري.
2- عرقلة خارجية: من غير المستبعد أن تعمد بعض الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى عرقلة هذا المسار، خاصة في ظل اعتمادها على "قسد" كقوة وكيلة لمصالحها.
3- فشل الاتفاق: يبقى احتمال انهيار الاتفاق قائماً إذا لم تتحقق الضمانات الكافية للإدارة الذاتية، أو في حال وجود انقسامات داخل "قسد" بشأن مدى الالتزام بهذه التفاهمات.
في الختام، يمثل الاجتماع الثلاثي بين "قسد" و"مسد" والإدارة الذاتية خطوة محورية في مسار العلاقات بين شمال وشرق سوريا ودمشق. ورغم أن الاتفاقات المعلنة تحمل في طياتها بوادر حلحلة للأزمة، فإن تنفيذها سيبقى مرهوناً بالمعادلات المحلية والدولية. وبذلك، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مستقبل هذا التقارب: هل هو مقدمة لحل سياسي شامل، أم أنه مجرد تكتيك مرحلي في لعبة التوازنات السورية؟ الأيام القادمة كفيلة بكشف المسارات التي سيتخذها هذا الاتفاق، ومدى قدرته على الصمود في وجه التحديات المتشابكة التي تحكم المشهد السوري.