بقلم: د. عدنان بوزان
الحزن ليس مجرد شعور يطفو على السطح، بل هو بحرٌ واسع، لا تُرى له نهاية، ولا تُسمع له ضفّة. هو صوت الريح حين تمرّ في الطرقات الخالية، هو ظلّ الغيم الذي لا يمطر، وهو ذلك الوجع الذي لا دواء له إلا غائبٌ تأخّر في المجيء. هو جدار الوقت حين يُلقي بثقله على القلب، وهو نبضٌ مرتبك يتأرجح بين الرجاء واليأس، بين الأمل والخذلان.
تبطئين في غيابكِ، وكأن الدقائق صارت صخوراً تتكسر ببطء على صدر الليل، وكأن الوقت تعلّم من غيابكِ كيف يتثاقل، كيف يتمدد، كيف يصبح مساحة شاسعة من الانتظار الذي لا يُختصر في كلمات. كل لحظة تمضي بدونكِ هي حزن يتسلل إلى زوايا الروح، يرسم على الجدران شقوقاً من وجع، ويترك خلفه صمتاً ثقيلاً لا يكسره سوى صوت الذكرى.
تخابرينني عن الشوق، كأن الشوق مجرد كلمة تُقال، كأنه رسالة عابرة في ليلٍ طويل، لكن الشوق، يا غائبة، ليس كلماتٍ ولا وعوداً، بل هو تلك الحرائق التي تشتعل في القلب ولا تنطفئ، هو الطرقات التي لا تنتهي إلا عند عودتكِ، هو العيون التي تسرح في الفراغ بحثاً عن ظلّكِ بين الغائبين. كيف تخابرينني عن الشوق وأنتِ من أودعني في حضن الانتظار، ثم رحلتِ؟
حين تغيبين، تفقد الأيام ملامحها، يبهت كل شيء كما لو أن الحياة أُفرغت من ألوانها، وكأن الكون كله توقف في لحظة غيابكِ. تصبح الضحكات نصف ابتسامة، والموسيقى صدى بعيد بلا لحن، والرسائل القديمة أوجاعاً مؤجلة لا تنتهي. في غيابكِ، حتى القمر يبدو شاحباً، كأن نوره قد أخذ لون الحنين.
أتحسس أماكنكِ الفارغة، أبحث عن صوتكِ في الأصداء، أرسم في الهواء صورتكِ كي لا ينساها العمر، وأظلّ أسأل الليل عنكِ، وأظلّ أسأل الصمت عنكِ، لكنهما لا يجيبان. فقط الحزن يرفع رأسه ويبتسم بسخرية، كأنه يقول لي: "أنا هنا، ولن أغادر، حتى تعود." ولكن، هل تعودين؟
أم أن هذا الحزن قد اختاركِ وطناً لا فكاك منه؟ أم أنّ الغياب هو الحقيقة الوحيدة، والوهم هو أن ننتظر؟