أزمة الأحزاب والسياسيين الكورد: انقسام داخلي وغياب الإرادة الذاتية للوحدة
- Super User
- أخبار كوردستانية
- الزيارات: 1351
بقلم: د. عدنان بوزان
يعيش المشهد السياسي الكوردي حالة من التشظي المزمن، حيث تعاني الأحزاب والشخصيات الكوردية من غياب القدرة على التوحد ضمن رؤية سياسية موحدة أو حتى ضمن وفد تفاوضي واحد في المحافل الإقليمية والدولية. هذه الظاهرة ليست مجرد تعبير عن اختلافات سياسية طبيعية، بل هي انعكاس لأزمة بنيوية عميقة في الفكر والممارسة السياسية الكوردية، تجعلهم في كثير من الأحيان رهائن لأجندات خارجية بدلاً من أن يكونوا فاعلين مستقلين يسعون إلى تحقيق المصالح الكوردية العليا.
أولاً: الأسباب البنيوية للانقسام الكوردي:
1. التنافس الأيديولوجي والتاريخي بين الأحزاب الكوردية:
نشأت الأحزاب الكوردية ضمن بيئات سياسية مختلفة، مستندة إلى أيديولوجيات متباينة، بين قومية، يسارية، إسلامية، وليبرالية. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه الاختلافات ركيزة لصراعات حزبية بدلاً من أن تكون تنوعاً يثري الساحة السياسية. إضافة إلى ذلك، فإن الجذور التاريخية للخلافات بين الأحزاب، وخاصة بين الأحزاب ذات الامتداد في العراق، سوريا، تركيا، وإيران، جعلت من الصعب بناء تفاهمات استراتيجية.
2. غياب المؤسساتية والاستفراد بالقرار السياسي:
تعاني معظم الأحزاب الكوردية من هيمنة الزعامات الشخصية على القرار السياسي، حيث تتحكم القيادات التقليدية في المسارات السياسية دون إفساح المجال لبروز نخب سياسية جديدة قادرة على تجاوز الخلافات. هذه الهيمنة أدت إلى ضعف المؤسسات الحزبية، وجعلت أي محاولات للوحدة مشروطة بمصالح شخصية أو حزبية ضيقة.
3. التدخلات الإقليمية والدولية:
يعتبر العامل الخارجي أحد أبرز أسباب العجز الكوردي عن التوحد، حيث تسعى القوى الإقليمية والدولية إلى استخدام الأحزاب الكوردية كأدوات لخدمة مصالحها، مما يؤدي إلى تعميق الانقسامات. فبدلاً من أن يكون للأحزاب الكوردية مشروعها المستقل، تجد نفسها تدور في فلك القوى الخارجية، سواء كانت دولاً إقليمية مثل تركيا وإيران، أو قوى دولية مثل الولايات المتحدة وروسيا.
4. انعدام الثقة بين الأطراف الكوردية:
التجارب التاريخية مليئة بالخلافات والاتهامات المتبادلة بين الأحزاب الكوردية، والتي وصلت أحياناً إلى مواجهات عسكرية كما حدث في التسعينيات في إقليم كوردستان العراق بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني. هذه الصراعات تركت أثراً نفسياً عميقاً جعل أي محاولة للوحدة تصطدم بجدار من عدم الثقة.
ثانياً: نتائج الانقسام الكوردي على القضية الكوردية:
1. إضعاف الموقف التفاوضي للكورد:
عندما تدخل الأطراف الكوردية إلى المفاوضات الدولية والإقليمية بمواقف متضاربة، فإنها تفقد القدرة على فرض شروطها أو تحقيق مكاسب حقيقية. وبدلاً من أن يكون للكورد صوت واحد قوي، تصبح الساحة مفتوحة أمام الآخرين لاستغلال الانقسامات لصالحهم.
2. الاعتماد المستمر على القوى الخارجية:
بسبب غياب الوحدة، يجد الكورد أنفسهم دائماً بحاجة إلى وسيط خارجي لتقريب وجهات النظر بينهم. والمفارقة أن هذا الوسيط لا يسعى لمصلحة الكورد، بل يستخدمهم كورقة ضغط لتحقيق مصالحه الخاصة، وهو ما رأيناه في أكثر من محطة تاريخية، من اتفاقية الجزائر 1975 إلى التدخلات الأمريكية في الشأن الكوردي العراقي والسوري.
3. فقدان الشرعية الشعبية:
مع تزايد الصراعات الداخلية، يفقد السياسيون الكورد ثقة قواعدهم الشعبية، التي باتت ترى أن هذه الأحزاب تعمل لمصالحها الضيقة وليس لتحقيق المشروع الكوردي المشترك. وهذا الانفصال بين القادة والجماهير يضعف قدرة الكورد على تشكيل قوة ضغط سياسية موحدة.
ثالثاً: هل هناك أفق للوحدة الكوردية؟
رغم هذا الواقع القاتم، إلا أن هناك فرصاً حقيقية للوحدة، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية. ومن أهم الخطوات التي يمكن أن تساعد في تجاوز هذه الأزمة:
1- إطلاق حوار وطني كوردي شامل: يضم كافة الأطراف السياسية، بهدف بناء رؤية موحدة بعيداً عن المصالح الحزبية الضيقة.
2- تعزيز المؤسسات الديمقراطية داخل الأحزاب الكوردية: لضمان تداول السلطة وتجديد النخب السياسية.
3- تشكيل مرجعية سياسية موحدة: تمثل الكورد في المحافل الدولية، على غرار المجلس الوطني الفلسطيني في السابق.
4- الحد من التدخلات الخارجية: عبر بناء استراتيجية كوردية مستقلة تستند إلى المصالح الكوردية أولاً.
خاتمة:
يبقى السؤال الأساسي: هل يستطيع الكورد أن يتجاوزوا انقساماتهم الداخلية قبل فوات الأوان؟ أم أن مصيرهم سيظل مرتبطاً بأجندات الآخرين؟ في النهاية، الوحدة الكوردية ليست خياراً ترفيهياً، بل ضرورة وجودية، لأن استمرار الانقسامات يعني استمرار التبعية، وفقدان أي فرصة حقيقية لبناء مستقبل يحقق الطموحات القومية للشعب الكوردي.