أزادي بوست: أثار تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إمكانية إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال أسابيع جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الدولية، خاصة في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة. جاءت تصريحات ترامب عقب اجتماعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي شدد بدوره على استعداد الدول الأوروبية لإرسال قوات لحفظ السلام في إطار تسوية شاملة للصراع.
تشير هذه التصريحات إلى تغير في الموقف الأميركي إزاء الأزمة الأوكرانية، حيث بدأ ترامب أكثر حماساً لإنهاء الحرب مقارنة بالإدارات السابقة، التي ركزت على الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا دون طرح حلول دبلوماسية جذرية. فقد أكد أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى تصعيد خطير قد يتطور إلى حرب عالمية ثالثة، وهو ما تسعى واشنطن لتجنبه بأي ثمن. كما أن إعلانه عن سقوط نحو 700 ألف جندي من الجانبين يسلط الضوء على حجم الكارثة الإنسانية والعسكرية التي يعانيها طرفا النزاع.
من منظور سياسي، يبدو أن ترامب يربط إنهاء الحرب باتفاق اقتصادي متعلق بالمعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، مما يعكس مقاربته التي تركز على المصالح الاقتصادية كوسيلة لتحقيق الاستقرار. هذه الاستراتيجية قد تلقى استحساناً لدى بعض الدوائر السياسية، لكنها قد تثير قلقاً بين حلفاء واشنطن، خاصة أولئك الذين يرون في مثل هذه الاتفاقات تقليلاً من أهمية الاعتبارات الأمنية والاستراتيجية طويلة الأمد.
في المقابل، يعكس موقف ماكرون مقاربة أوروبية أكثر براغماتية، إذ أكد استعداد الدول الأوروبية للعب دور أكثر فاعلية في تحقيق الاستقرار الإقليمي، بما في ذلك إرسال قوات لحفظ السلام في أوكرانيا. ومع ذلك، قد يواجه هذا الطرح تحديات كبيرة، خاصة في ظل التحفظات الروسية على أي تواجد عسكري أوروبي في مناطق النزاع. إلا أن تصريحات ترامب التي تفيد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يقبل بوجود قوات أوروبية لحفظ السلام، تعكس مؤشرات على إمكانية تحقيق تفاهمات مبدئية بين موسكو وواشنطن حول مستقبل الأزمة الأوكرانية.
استراتيجياً، فإن انخراط الأوروبيين بشكل أكبر في الأزمة الأوكرانية قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في القارة العجوز، حيث تسعى أوروبا لتعزيز استقلالها الاستراتيجي بعيداً عن الهيمنة الأميركية التقليدية. هذه الديناميكية قد تؤدي إلى توترات داخل حلف الناتو، خصوصاً إذا ما تباينت الرؤى بين واشنطن والعواصم الأوروبية حول كيفية التعامل مع موسكو.
من جهة أخرى، يواجه الجانب الأوكراني معادلة صعبة، إذ إن قبول اتفاق سلام بضمانات أميركية وأوروبية قد يعني تقديم تنازلات سياسية أو إقليمية لموسكو، وهو أمر قد يلقى معارضة قوية داخل أوكرانيا، خاصة بين الأوساط القومية التي ترفض أي حل يُنظر إليه على أنه انتصار لروسيا. ومع ذلك، قد يجد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه مضطراً للموافقة على اتفاق يضمن وقف إطلاق النار وإعادة إعمار البلاد، خاصة إذا حصل على ضمانات أمنية واضحة من الحلفاء الغربيين.
في ظل هذه التعقيدات، يبقى التساؤل الرئيسي هو مدى واقعية الطرح الأميركي لإنهاء الحرب خلال أسابيع. فرغم تصاعد الزخم الدبلوماسي لتحقيق هدنة، إلا أن العديد من العوامل قد تعيق التوصل إلى اتفاق سريع، لا سيما أن أي تسوية لن تكون مقبولة ما لم تأخذ في الاعتبار المصالح الحيوية لجميع الأطراف المعنية.
في النهاية، ستكون التطورات القادمة حاسمة في تحديد مصير الحرب في أوكرانيا، سواء من خلال صفقة اقتصادية قد تشكل مفتاح الحل، أو عبر ترتيبات أمنية تضمن تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة. وفي جميع الأحوال، تبقى الأيام القادمة مفتوحة على سيناريوهات متعددة، تتراوح بين السلام المشروط والمواجهة المستمرة، في انتظار ما ستسفر عنه التحركات الدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي.