كلمة اليوم: الواقع السياسي الراهن: رؤية فلسفية نحو التغيير والتقدم
بقلم: د. عدنان بوزان في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بمنطقة...
كلمة اليوم: صمت الأوطان وثورة الأقلام: بين الركوع والمقاومة
بقلم: د. عدنان بوزان لو أننا أُخرسنا حقاً، لو أن أصواتنا سُكتت...
كلمة اليوم: ما وراء الأنقاض: كيف تبني الشعوب مستقبلها؟
بقلم: د. عدنان بوزان أيها الشعوب المنهكة في الشرق الأوسط، إن أصوات...
عيد الإنسانية: جسور الأمل والعطاء بين الفرح والحرمان
بقلم: د. عدنان بوزان ..
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ؟ في ثناياك، تتجدد ذكريات الفرح المنسية على أطراف الأيام، ولكن في ظلالك أيضاً، تختبئ قصص الأرواح العائمة على موج الحياة، الأيتام والفقراء والمشردين، الذين تتركهم رياح القدر في مواجهة برد الوحدة وقسوة النسيان.
في كل عودة لك، يا عيد، تُشعل الشوارع بالأضواء وتملأ الأجواء بالأغاني، بينما تكمن في الزوايا البعيدة، خلف الواجهات المضيئة، حكايات من نُسج الألم والحرمان. للبعض، أنت بداية فصل جديد من الأمل والبهجة، ولكن لآخرين، أنت تذكير بما هو غائب وما لا يُمكن استرجاعه.
تتجلى في عودتك، يا عيد، معضلة الوجود الإنساني، حيث يتشابك الفرح بالحزن، ويعيش الناس بين أمواج الحياة المتقلبة، بحثاً عن مرسى يأوي إليه قلبهم. وفي هذا السياق، يبرز السؤال العميق عن معنى العيد للذين خُلِعت من قلوبهم الفرحة، واستُبدلت بصدى الفقد والشوق.
عدت يا عيد، ومعك دعوة لنا جميعاً للنظر إلى ما وراء الزينة والاحتفالات، لنرى الوجوه التي تتلهف للحظة اهتمام، والقلوب التي تتوق للمشاركة في دفء الإنسانية. في كل عودة لك، يا عيد، تُعطى لنا فرصة لنعيد تعريف الفرحة، لا كمظهر خارجي فحسب، بل كتجربة إنسانية عميقة تنبع من العطاء والمشاركة والتضامن.
ها هو العيد يعود، ليس كمجرد تقويم يُحتفل به، بل كفرصة لتجديد التزامنا ببناء مجتمع أكثر شمولاً وعدالة، حيث يجد كل يتيم، فقير، ومشرد، مكاناً يشعر فيه بالانتماء والاحترام. عدت يا عيد، ومعك الأمل بأن نرتقي جميعاً إلى مستوى التحدي، لنجعل من كل يوم فرصة للاحتفال بالإنسانية، في أبهى صورها، حيث تُصبح العطاء والمحبة لغة مشتركة تُوحدنا جميعاً.
في هذا العيد، لننظر إلى السماء ليس فقط لنعجب بالألعاب النارية التي تضيء الظلمات، بل لنتذكر أيضاً أن هناك من يتطلعون إلى نفس السماء بحثاً عن نجمة تُضيء دربهم المظلم، نجمة الأمل التي قد تُشع من قلوبنا نحوهم.
ليكن العيد هذا العام بداية لعهد جديد، عهد يُعاد فيه تشكيل معاني الفرحة والبهجة لتصبح أكثر شمولاً وعمقاً، حيث نُعمق جذور التعاطف والتفهم في تربة مجتمعاتنا. عيد يُعلمنا أن في مشاركة الفرحة مع الآخر، خاصة الأيتام والفقراء والمشردين، إثراءً لروحنا وتوسيعاً لمفهوم السعادة نفسه.
في عودتك يا عيد، دعنا نُجسد العيد في أفعالنا، لا في أقوالنا فقط. لنمد أيدينا بالمساعدة، لنفتح قلوبنا للعطاء، ولنجعل من أنفسنا جسوراً تربط بين الوفرة والحاجة، بين الدفء والبرد، بين الأمان والضياع. لنكن نحن العيد لمن حولنا، لنجعل من العيد فرصة لإحداث فارق حقيقي في حياة الآخرين.
عدت يا عيد، ومعك الفرصة لنؤكد على أن الفرح ليس مجرد لحظة زائلة، بل هو حالة نسعى لتحقيقها وتوسيعها، لتشمل كل من هم بحاجة إلى ضوء يُضيء ظلمات أيامهم. في عودتك، دعونا نعقد العزم على أن نكون مصدر إلهام وأمل، ليس فقط في الأيام المعدودة التي تُسمى "عيداً"، بل في كل يوم من أيام الحياة.
عدت يا عيد، بأي حال أتيت، لكن في كل حال، دعونا نجعل منك بداية لمسار جديد من التعاطف والمحبة، مسار يُظهر أفضل ما فينا كبشر، مسار يُحول العيد من مجرد تقليد إلى تحول حقيقي في كيفية تفاعلنا مع العالم من حولنا.
ومع ذلك، في هذه اللحظة من التجليات والاحتفالات، تُرسم في الخفاء لوحات الأسف والألم، حيث تغيب ألوان الفرح عن قلوب غارقة في بحر الفقر المدقع. هناك، حيث الظلال تطول وتعمق سوادها في النفوس، يعيش جياع الناس، أولئك الذين تنسل خيوط العيد من بين أصابعهم كالرمال الناعمة، دون أن يتمكنوا من إمساكها أو حتى الشعور بها.
في كل زاوية من زوايا العالم، حيث يُفترض بالعيد أن يكون مظهراً من مظاهر الجمع والوحدة، يتكشف واقع مؤلم، واقع ينخر فيه الفقر عظام الحياة، مخلفاً وراءه أجساداً وأرواحاً تتوق لأبسط معاني البقاء. الأطفال، الذين يُفترض بهم أن يلهوا ويمرحوا في أحضان العيد، يجدون أنفسهم في معركة يومية للبقاء، معركة لا يعرفون لماذا هم طرفٌ فيها.
الألم يتضاعف عندما يُصبح العيد، بدلاً من كونه مناسبة للفرح، تذكيراً صارخاً بالحاجة والنقص. تنهمر الدموع في صمت، بعيداً عن أعين العالم، تحت وطأة الجوع والحرمان، حيث تُصبح كل لقمة خبز مطلباً يصعب الوصول إليه، وكل لحظة دفء حلماً يتلاشى مع أول نسمة برد.
في هذه الأوقات، يُصبح العيد ليس فقط مناسبة للتأمل في النعم التي نملكها، بل وأيضاً للتفكير العميق في معاناة الآخرين. هو دعوة لنا جميعاً لنتجاوز حدود الذات والأنانية، لنفتح قلوبنا وأيدينا لمن هم في أمس الحاجة إلينا. العيد يُعلمنا أن الفرح الحقيقي لا يكتمل إلا بالمشاركة، وأن السعادة تُضاعف عندما تُشارك مع من لا يملكون سبباً للابتسام.
فلنجعل من هذا العيد بداية لمسار جديد، مسار يُحول الأسف والألم إلى عمل وأمل. دعونا نتحدى الفقر المدقع وجوع الناس بالعطاء والتضامن، لنُثبت أن الإنسانية لا تزال قادرة على التغلب على أشد الظروف وأقسى المحن. في هذا العيد، دعونا نزرع بذور الأمل في أرض اليأس، لتنبت أزهار التغيير والخير، تلك الأزهار التي يمكن أن تحول حياة الفقراء والمشردين والأيتام من مساحة قاحلة إلى حديقة غنّاء.
ليس بمقدورنا جميعاً تغيير العالم بأسره دفعة واحدة، ولكن بإمكان كل واحد منا أن يُحدث تأثيراً في حياة شخص واحد، أو أسرة واحدة، أو مجتمع صغير. فلتكن هذه الخطوات، مهما بدت صغيرة، بداية رحلتنا نحو عالم يملؤه الدفء والأمان والكرامة للجميع.
في هذا العيد، دعونا نتأمل في معنى العطاء ونعيد التفكير في دورنا كأفراد ضمن مجتمع أوسع. العطاء لا يقتصر على الماديات فحسب، بل يمكن أن يتجلى في الوقت، الاهتمام، الدعم النفسي، والحب. كل لحظة نخصصها لمساعدة الآخرين هي بذرة نزرعها في حقل الإنسانية، بذرة قد تنمو وتصبح شجرة ظليلة توفر السكينة والأمان للروح البشرية المتعبة.
في ظلال العيد، دعونا نعترف بأن الفرحة ليست كاملة إلا عندما تُشارك. فليكن هدفنا أن نجعل من كل يوم عيداً لشخص ما في حاجة إلى الأمل والدعم. دعونا نحول الأسف والألم الذي نشهده حولنا إلى دافع يحثنا على العمل من أجل مستقبل أكثر إشراقاً وعدالة.
في هذا العيد، لن يكون السؤال "بأي حال أتيت؟" بل "كيف يمكننا جعلك معنى للتغيير والأمل؟". دعونا نستلهم من عودتك، يا عيد، القوة لنكون قادة التغيير في مجتمعاتنا، لنعيد كتابة قصص الأيتام والفقراء والمشردين بأحرف من نور وأمل، ولنجعل من كل يوم فرصة للعطاء والمحبة، فرصة لنكون إنسانيين بكل ما تحمل الكلمة من معنى.