الفرق بين المجتمع والمكوّن والشعب الكوردي في سوريا: تحليل سياسي وقانوني
- Super User
- التحاليل السياسية
- الزيارات: 1272
بقلم: د. عدنان بوزان
مقدمة:
يعدّ الوجود الكوردي في سوريا من القضايا ذات الأبعاد التاريخية والسياسية والقانونية المتشابكة، والتي أثارت جدلاً مستمراً عبر العقود الماضية. فمنذ تشكّل الدولة السورية الحديثة، ظلّت قضية الهوية الكوردية ومكانتها داخل النسيج الوطني موضع نقاش بين مختلف التيارات السياسية، وذلك في ظل تغيّر الأنظمة الحاكمة والسياسات التي انتهجتها تجاه الكورد. فبينما يرى البعض في الكورد مكوّناً أساسياً من مكوّنات المجتمع السوري، يعتبر آخرون أن لهم خصوصية قومية تستدعي اعترافاً أوسع بحقوقهم الثقافية والسياسية.
يظهر هذا الجدل بوضوح في المصطلحات المستخدمة عند الإشارة إلى الكورد داخل الخطاب السياسي والقانوني، حيث يعكس كل مصطلح رؤية معينة تجاه وجودهم ودورهم في سوريا. فالتعبير عنهم بعبارات مثل "الشعب الكوردي" يحمل دلالات قومية قد توحي بالاستقلالية أو التمايز، في حين أن مصطلح "المكوّن الكوردي" ينسجم مع سياسات تؤكد على التعددية ضمن إطار الدولة الواحدة، أما استخدام تعبير "المجتمع الكوردي" فقد يهدف إلى تحجيم البعد القومي والتركيز على البعد الاجتماعي والثقافي.
إن هذه التباينات ليست مجرد فروق لغوية، بل هي انعكاس لسياسات الدولة تجاه الكورد، ومدى الاعتراف بحقوقهم، وتأثير العوامل الإقليمية والدولية في تحديد وضعهم القانوني والسياسي. ومن هنا، فإن دراسة كيفية توصيف الوجود الكوردي في سوريا تكتسب أهمية كبرى لفهم تطورات القضية الكوردية وعلاقتها بالدولة والمجتمع.
أولاً: الشعب الكوردي في سوريا:
1- المفهوم والدلالة السياسية والقانونية:
• يشير مصطلح "الشعب الكوردي" إلى الكورد كجماعة قومية لها هويتها الخاصة، وتاريخها، وثقافتها، ولغتها.
• يتمتع هذا المصطلح ببعد سياسي عميق، إذ يُستخدم في الخطابات التي تدعو إلى الاعتراف بالكورد كقومية مستقلة ذات حقوق سياسية ومدنية داخل سوريا.
• من الناحية القانونية، يمكن ربط هذا المفهوم بحقوق الشعوب الأصلية وفقاً للقانون الدولي، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الحقوق السياسية والمدنية، وإعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية.
• يُعد استخدام هذا المصطلح في الخطاب السوري الرسمي نادراً، لأنه قد يتعارض مع الرؤية المركزية للدولة، التي لا تعترف بالكورد كشعب مستقل داخل البلاد.
2- التحديات القانونية والسياسية:
• عدم الاعتراف الدستوري بالكورد كشعب مستقل.
• التهميش التاريخي للكورد في السياسات السورية، ومنعهم من ممارسة حقوقهم الثقافية والسياسية في فترات مختلفة.
• القيود المفروضة على استخدام اللغة الكوردية والتعبير عن الهوية القومية في الفضاء العام.
ثانياً: المكوّن الكوردي في سوريا:
1- المفهوم والدلالة السياسية والقانونية:
• يُستخدم مصطلح "المكوّن الكوردي" بشكل رئيسي في الخطاب السياسي الرسمي السوري، وأحياناً في الخطاب الإعلامي.
• يشير هذا المصطلح إلى الكورد كجزء من النسيج الاجتماعي السوري المتعدّد، إلى جانب العرب، والسريان، والآشوريين، والأرمن وغيرهم.
• من الناحية القانونية، قد يكون لهذا المصطلح دلالة على الاعتراف بوجود الكورد داخل الدولة، لكنه في ذات الوقت يُبقيهم ضمن إطار "الأقليات"، وليس ضمن إطار شعب أصيل له حقوقه القومية المستقلة.
2- التداعيات السياسية لهذا المفهوم:
• استخدام مصطلح "المكوّن" يعزز فكرة أن الكورد ليسوا شعباً مستقلاً، بل مجرد مجموعة عرقية داخل الدولة.
• يؤثر ذلك على المطالب القومية للكورد، حيث يُنظر إليهم كجزء من التعددية السورية وليس ككيان مستقل يمكن أن يتمتع بحكم ذاتي أو اعتراف قانوني خاص.
• يرفض بعض الكورد هذا المصطلح لأنه يُستخدم للحدّ من الطموحات القومية لهم، ويضعهم في خانة الجماعات الفرعية داخل الدولة.
ثالثاً: المجتمع الكوردي في سوريا:
1- المفهوم والدلالة السياسية والاجتماعية:
• يشير مصطلح "المجتمع الكوردي" إلى النسيج الاجتماعي والثقافي للكورد داخل سوريا، بغض النظر عن أي أبعاد سياسية أو قومية.
• يُستخدم هذا المصطلح عندما يكون التركيز على العادات، والتقاليد، والروابط الاجتماعية بين الكورد.
• لا يحمل هذا المصطلح دلالة سياسية واضحة مثل "الشعب" أو "المكوّن"، بل هو أكثر حيادية ويُستخدم في المجالات الأكاديمية والاجتماعية.
2- الأثر القانوني والسياسي:
• لا يحمل هذا المصطلح أي تأثير قانوني مباشر على وضع الكورد في سوريا.
• يُستخدم عند الحديث عن القضايا الاجتماعية مثل وضع المرأة الكوردية، البنية العائلية، والهوية الثقافية، لكنه لا يعكس أي اعتراف سياسي أو قومي.
الخاتمة: أي مصطلح هو الأدق؟
• إذا كان الهدف هو تأكيد الهوية القومية والحقوق السياسية، فإن مصطلح "الشعب الكوردي" هو الأكثر دقة من الناحية القانونية والسياسية.
• إذا كان الحديث في سياق الدولة السورية والتعددية السياسية، فإن "المكوّن الكوردي" هو المصطلح الأكثر استخداماً، لكنه لا يعكس الطموحات القومية للكورد.
• إذا كان الحديث عن الجانب الاجتماعي والثقافي، فإن "المجتمع الكوردي" هو المصطلح الأكثر ملاءمة.
توصيات قانونية وسياسية:
1- إدراج مصطلح "الشعب الكوردي" في الخطابات الحقوقية والدستورية لتعزيز الاعتراف بالقومية الكوردية داخل سوريا.
2- تطوير آليات قانونية تضمن حقوق الكورد داخل الدولة السورية سواء من خلال الحكم الذاتي أو الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية.
3- إعادة صياغة الخطاب السياسي السوري ليشمل الاعتراف بالتعددية القومية، وليس فقط التعددية الاجتماعية.
خلاصة، يُظهر التحليل السياسي والقانوني أن الفرق بين هذه المصطلحات يعكس مواقف متباينة تجاه القضية الكوردية في سوريا. إن استخدام مصطلح "الشعب الكوردي" يعزز الطابع القومي، في حين أن مصطلح "المكوّن الكوردي" يُستخدم لتقييد هذه الطموحات ضمن إطار الدولة السورية. أما "المجتمع الكوردي"، فيبقى مصطلحاً محايداً يستخدم في السياقات الثقافية والاجتماعية.
لذا، فإن استخدام المصطلح المناسب يعتمد على السياق، والهدف من الخطاب، وما إذا كان التركيز على الحقوق القومية أو على البعد الاجتماعي والثقافي.
بالإضافة إلى الوضع الكوردي في سوريا، يجب أن يتمعّن الباحثون وصنّاع القرار في الدلالات السياسية والقانونية للمصطلحات المستخدمة عند الإشارة إلى الكورد. فالمفردات التي يجري تبنّيها في الخطاب الرسمي أو الإعلامي أو الأكاديمي لا تعكس فقط التوجهات الأيديولوجية والسياسات المتبعة تجاههم، بل تؤثر أيضاً على طبيعة النقاش الدائر حول حقوقهم ومكانتهم داخل الدولة. فاختيار مصطلح معين دون غيره قد يعكس رؤية معينة للدولة أو لمختلف الفاعلين السياسيين، سواءً على المستوى الداخلي أو الإقليمي.
إن مصطلح "الشعب الكوردي" يرتبط بشكل وثيق بالخطاب القومي الذي يؤكد على الهوية الكوردية ككيان له مقوماته التاريخية والثقافية والسياسية. واستخدام هذا المصطلح في أي نقاش قانوني أو سياسي قد يطرح تساؤلات حول مدى الاعتراف بحق تقرير المصير أو الخصوصية القومية لهذا الشعب داخل الدولة السورية. وعلى الجانب الآخر، فإن مصطلح "المكوّن الكوردي" يُستخدم في سياقات تركز على الاعتراف بالكورد كجزء من التعددية السورية، لكنه في الوقت ذاته يحدّ من إمكانية المطالبة بحقوق تتجاوز إطار الدولة الواحدة، إذ يشير إلى أنهم مكوّن من مكوّنات المجتمع، وليسوا كياناً قومياً مستقلاً.
أما مصطلح "المجتمع الكوردي"، فإنه يتمتع بقدر من الحياد، حيث يركّز على البعد الاجتماعي والثقافي دون التطرق إلى الأبعاد القومية أو السياسية. ويُستخدم هذا المصطلح غالباً في الدراسات الأكاديمية أو في الخطابات التي تتجنب تبنّي موقف سياسي واضح تجاه المسألة الكوردية. فهو لا يحمل دلالات قومية مباشرة، لكنه في الوقت نفسه لا يُنكر وجود الكورد كجماعة لها سماتها الخاصة داخل النسيج السوري.
خلاصة القول، يُظهر التحليل السياسي والقانوني أن الفرق بين هذه المصطلحات ليس مجرد مسألة لغوية، بل هو تعبير عن توجهات سياسية متباينة تجاه القضية الكوردية في سوريا. فبينما يُعزز مصطلح "الشعب الكوردي" الطابع القومي ويشير إلى هوية مستقلة نسبياً، يُستخدم مصطلح "المكوّن الكوردي" لتأطير الكورد ضمن الهوية الوطنية السورية مع تقييد طموحاتهم القومية. أما "المجتمع الكوردي"، فيبقى مصطلحاً مرناً ومحايداً إلى حد ما، يُستخدم غالباً في الأوساط الثقافية والاجتماعية.
لذا، فإن اختيار المصطلح المناسب يعتمد إلى حد كبير على السياق الذي يُستخدم فيه، والهدف من الخطاب، والجهة التي تتبناه، وما إذا كان التركيز منصبّاً على الحقوق القومية والسياسية، أو على الهوية الثقافية والاجتماعية للكورد داخل سوريا.