الوعي بوصفه وَهْماً ضرورياً: هل نحن من يُفكِّر، أم أن التفكير يَحدُث لنا؟
- Super User
- موضوعات فلسفية
- الزيارات: 1366
بقلم: د. عدنان بوزان
لطالما اعتُبر الوعي مركز الهوية الإنسانية، والركيزة التي يقوم عليها الإدراك والحرية. لكن إذا تأملنا طبيعة هذا الوعي، سنجد أنه ليس كياناً ثابتاً، بل تدفق متغير من الأفكار والمشاعر والانفعالات، أشبه بمجرى نهر لا يتوقف عن الجريان. فهل نحن حقاً من نتحكم في أفكارنا، أم أن الأفكار تنشأ وتتشكّل في وعينا دون إذنٍ منا؟
إن نظرةً فاحصةً في آلية التفكير تكشف أن الأفكار لا تأتي بقرارٍ إرادي، بل تبرز من خلفية اللاوعي، وتفرض نفسها على السطح دون تدخلٍ مباشر من "أنا" واعية ومُتحكّمة. حتى حين نحاول توجيه التفكير في مسارٍ معين، نجد أن هذا التوجيه نفسه يستند إلى دوافع وأسباب لم نخترها أصلاً، بل تكوّنت بفعل التجربة والتنشئة والبيئة.
وإذا كان الوعي يتشكل من تدفقاتٍ فكرية تلقائية، فهل يمكن اعتباره وَهْماً؟ ليس بالمعنى العدمي، وإنما بالمعنى الوظيفي: فهو ليس جوهراً متماسكاً، بل وَهْمٌ ضروريٌّ للحفاظ على اتساق تجربتنا مع ذواتنا. نحن نحتاج إلى الاعتقاد بوجود "أنا" مستقلة تتحكم في قراراتها، لأن ذلك يمنحنا شعوراً بالاستمرارية والقدرة على الفعل. لكن في جوهر الأمر، يبدو أن العقل يعمل وفق خوارزمياتٍ تلقائية أكثر مما نتصور، حيث تنشأ الإرادة نفسها كنتيجةٍ لمُسبّباتٍ خفية، وليست كقوةٍ مُطلقةٍ تنطلق من العدم.
إذا قبلنا بهذه الفكرة، فإننا نصل إلى مفارقة خطيرة: كيف يمكن للحرية أن توجد إذا كان الوعي مجرد وَهْمٍ ضروري؟ كيف يمكننا الحديث عن المسؤولية الأخلاقية إذا كنّا، في النهاية، نتيجة تفاعلاتٍ معرفيةٍ ولا واعية لا نملك السيطرة عليها بالكامل؟
ربما تكون الفلسفة، إذن، ليست فقط سعياً وراء الحقيقة، بل مواجهةً مستمرةً للأوهام الضرورية التي تجعل الحياة ممكنة. وفي هذه الحالة، يكون السؤال الأهم ليس ما إذا كان الوعي حقيقياً أم وَهْماً، بل: كيف يمكننا الاستفادة من هذا الوهم دون أن نقع في فخ المطلقات؟