أنغام الذات: حين تختار أن تعيش كما تريد

بقلم: د. عدنان بوزان

الحياة، ذلك الامتداد الغامض الذي يُنسج من لحظاتٍ لا نهائية من التجارب، هي لوحة مرسومة على قماشٍ من اختياراتنا ورؤيتنا الخاصة. كل لحظة تمر علينا هي فرصة لخلق وجود فريد، وسبيل لبناء عالم يتناغم مع أحلامنا وتطلعاتنا، بعيداً عن أحكام الآخرين وتوقعاتهم.

أن تعيش حياتك كما تراها أنت يعني أن تُدرك أن لا وجود لحقيقة واحدة تُلزمك أن تتشكل وفق قالب محدد. الزمن ملكك، واللحظات هي قطارك السريع الذي لا يتوقف إلا لتترك أثراً في كل محطة تمر بها. ولكن، كم من الناس يقضون أعمارهم يركضون خلف أحلام غيرهم، ينسجون أيامهم وفق ألحان قديمة لا تتناغم مع نوتاتهم الخاصة؟

العمر ليس إلا انعكاساً للوقت الذي نقضيه في البحث عن أنفسنا، وعلينا أن نجرؤ على السير في الدروب التي نختارها، حتى لو كانت غير مألوفة أو مليئة بالمنعطفات المظلمة. أن تعيش حياتك كما تحب يعني أن تتحرر من قيود التوقعات الاجتماعية، وأن تدرك أن سعادتك لا تعتمد على معيار خارجي، بل على توافق داخلي بين ما تشعر به وما تفعله.

تأمل أن كل يوم يمر عليك هو صفحة بيضاء تنتظر أن تكتب عليها قصة جديدة، فماذا ستختار أن تكتب؟ هل ستملؤها بتفاصيل يومية عابرة تخضع لتيار الزمن دون أي بصمة خاصة؟ أم أنك ستكتب سطوراً تتناغم مع روحك الخاصة، حتى وإن كانت مخالفة لما يُملى عليك من الواقع؟

الحياة ليست سوى فرصة واحدة، قصيرة بقدر ما هي غامضة. الأوقات التي تذهب لا تعود، لذا عليك أن تملأ تلك اللحظات بالمعنى الذي يصنع منك إنساناً حياً حقاً، وليس مجرد كائن يمر دون أن يترك أثراً خلفه. أن تعيش حياتك بالطريقة التي تراها أنت، يعني أن تتصالح مع فكرة الفقد والزوال، أن تقبل حقيقة أن كل ما تراه الآن قد يتلاشى في أي لحظة. ولذا، لا تنتظر موافقة الآخرين، ولا تبنِ سعادتك على ما يراه المجتمع مناسباً أو جيداً.

قد تكون الحياة مليئة بالقيود والعقبات، لكن الحرية الحقيقية تكمن في قدرتك على اختيار كيفية الاستجابة لتلك القيود. أن تعيش حياتك كما تحب يعني أن تدرك أن كل لحظة تحمل في طياتها إمكانيات لا حصر لها. إنها دعوة دائمة لأن تختار السعادة، أو الألم، أو المغامرة، أو الراحة، وفق ما يعكس رغباتك العميقة لا رغبات الآخرين.

في النهاية، العمر ليس مجرد رقم. إنه سجل لما حققته، لما شعرت به، ولما اخترت أن تكونه. فإذا اخترت أن تعيش حياتك كما ترى أنت، فقد منحت نفسك الفرصة لأن تكون سيداً على وقتك، صانعاً لمصيرك، ومسافراً إلى أعماق ذاتك دون أن يخيفك أو يردعك شيء.

لن تعود الأيام التي مضت، ولن تتكرر. ولكن إن عشت كل يوم وكأنه لوحة جديدة تنتظر منك أن تضيف إليها لوناً خاصاً، فستدرك أن الحياة ليست مجرد ممر عابر، بل هي رحلة ممتدة من الفهم والبحث والتجربة. وعندما يأتي اليوم الذي تنظر فيه إلى الوراء، ستكون فخوراً بكل لحظة عشتها وفق رؤيتك الخاصة، حتى وإن كانت تلك الرؤية مختلفة تماماً عن الآخرين.

كن أنت، لأن العالم ليس بحاجة إلى نسخة أخرى من أي شخص، بل هو بحاجة إلى حضورك الفريد، إلى بصمتك الخاصة التي لن يستطيع أحد غيرك أن يضعها.

X

تحذير

لا يمكن النسخ!