بقلم: د. عدنان بوزان
في أروقة الليل، حين تسكن الأصوات وتهدأ المدن، تُفتح أبواب الذاكرة على مصراعيها، ويفيض العمر بما أخفاه النهار من خيبات وأشواق. كم من حلمٍ دفنته السنون تحت ركام الانتظار؟ وكم من وجعٍ غفا في القلب كجمرةٍ لم يخمدها الصمت؟
نقف عند مفترق الأرواح، نحمل في أعيننا بقايا ضوء، وفي صدورنا مدنٌ من الأسئلة التي لم تجد إجابة. هناك، حيث تلتقي الوحدة بالحنين، يصبح الصمت أكثر ضجيجاً من الكلام، فنحاول أن نلملم ما تبقى منا، كي لا تبتلعنا دوّامات التيه.
لكن، هل كان التيه خياراً؟ أم أننا سُرقنا من أنفسنا ونحن نلهث خلف سراب الأحلام؟ مضينا نظن أن الطرقات تقودنا إلى الأمان، فاكتشفنا أنها كانت تسلبنا أجزاءً من أرواحنا، حتى أصبحنا ظلالاً لأنفسنا القديمة.
كم مرةً نظرنا إلى المرايا ولم نعرف من نحن؟ كم مرةً مررنا على أماكن كانت تنبض بالحياة في قلوبنا، فوجدناها رماداً بلا ملامح؟ أَنحن الذين تغيّرنا، أم أن الزمن أدار لنا ظهره ورحل؟
ورغم هذا الحنين المتعب، رغم الجراح التي لم تلتئم، رغم الأماني التي تهالكت تحت أقدام الخيبات… ما زلنا نحمل في أعماقنا جذوةَ أملٍ خافتة، نخشى أن تنطفئ، لكننا نتشبث بها وكأنها قاربنا الأخير في بحر المجهول.
ليس لأننا نؤمن بالخلاص، بل لأن الاستسلام ليس خياراً… ولأن الحياة، وإن قست، لن تنحني إلا لمن يصرّ على الوقوف، حتى لو كان على حافة الانكسار.