بقلم: د. عدنان بوزان
أيها الوطن، إن السقف الذي بنيته فوق رؤوسنا صار أكثر انخفاضاً مما ينبغي، حتى باتت الهامات تنحني قسراً، والأكتاف تتقوس تحت ثقل المسافات الضيقة بين الأرض والسماء. كأننا نسير في دهاليز منخفضة، نخشى أن نقف باستقامة، مخافة أن نصطدم بسقفك المتداعي.
كنتُ أظن أن الأوطان تبني سقوفها حمايةً لأبنائها من رياح الغربة، فإذا بي أجد أن بعض الأوطان تصير سجوناً، وسقوفها تتحول إلى جدران تُكتم فيها الأصوات قبل أن تجد صداها. كيف لي أن أرفع رأسي لأرى النور، وأنا إن فعلتُ اصطدمتُ بجدار وطني؟ كيف للإنسان أن يكون حُراً وهو في كل حركة يخشى الاصطدام بسقفٍ صنعه من كان يجب أن يرفعه عالياً؟
أيها الوطن، لا تطلب مني أن أنحني أكثر، فقد انحنى آبائي من قبلي بما يكفي، وأورثوني قامتي كما هي، مستقيمة لا تنحني إلا لمن يستحق السجود. لا تطلب مني أن أتظاهر بأن السماء قريبة، وأن سقفك المتهاوي قدرٌ لا مفر منه. لا تطلب مني أن أقزم أفكاري، أو أن أخفض صوتي، أو أن أحني رأسي في حضرة السقف المنخفض كي لا أُزعج من صنعوه. إنني لا أطلب المستحيل، لا أطلب أن أبلغ الغيوم، فقط ارفع سقفك قليلاً، كي أستطيع أن أرفع رأسي دون خوف.
أيها الوطن، كم من العقول وأدتَ، وكم من الأحلام قيدتَ، وكم من الأصوات أسكتتَ، لا لأنك قاسٍ بطبعك، ولكن لأنك لم تجد الشجاعة لترفع سقفك قليلاً. أما آن الأوان أن تدرك أن الأوطان لا تعيش بالمُنحنين، وأن الحياة لا تُمنح إلا لمن يطلبها شامخاً؟ أما آن الأوان أن تفهم أن الجدران العالية لا تحمي، بل تعزل، وأن الأسقف المنخفضة لا تؤمِّن، بل تخنق؟
إن الوطن الحق هو ذاك الذي يرفع سقفه بقدر طموحات أبنائه، لا ذاك الذي يجبرهم على الانحناء تحته. وإن الوطن الحقيقي هو الذي تتسع سماؤه لأحلامهم، لا ذاك الذي يختزلها في حدود سقفٍ ضيق. فإما أن ترفع سقفك، أيها الوطن، أو سنبحث لنا عن سماء أخرى نستطيع تحتها أن نرفع رؤوسنا كما نشاء.