بقلم: د. عدنان بوزان
أن تقول إنك تحب وطنك بينما تسحق أحلام الآخرين باسم هذا الحب، فهذه ليست وطنية، بل خيانة مضمخة بشعارات زائفة. أن ترفع راية الوطن عالياً بينما تدوس حقوق الضعفاء تحت قدميك، فهذه ليست شجاعة، بل صورةٌ قبيحة للأنانية. حب الوطن ليس ضجيجاً في الساحات، ولا صخباً يطغى على صوت الحقيقة، بل هو عملٌ صامتٌ كالمطر، يسقي الأرض دون أن ينتظر ثناءً، ويعيد الحياة حيثما مرّ.
أيُّ حبٍّ هذا الذي يبرر الظلم باسم الوطن؟ وأيُّ عشقٍ ذاك الذي يسمح لك باغتصاب أحلام غيرك، ومصادرة طموحاتهم، وتشويه آمالهم بلسانٍ يعظ بالوطنية ويدٍ تغتال المعنى الحقيقي للانتماء؟ حب الوطن لا يعني أن تصفّق للصوت الأعلى، بل أن تنحني لتجمع ما تبعثر من القيم، أن ترمّم الشرخ الذي خلّفه الصراع، أن تضيء الطريق لمن تاهوا في العتمة، حتى وإن كنت تمشي وحيداً في النور.
أن تحب وطنك يعني أن تسعى ليكون العدل ميزانه، والحرية صوته، والرحمة ظلَّه. أن يكون حضناً دافئاً لكل من يعيش فيه، دون النظر إلى أسمائهم أو أصولهم أو ألوانهم. الوطن ليس سجادةً تُفرش لمن يوافقونك الرأي، وليس سيفاً تشهره في وجه من يخالفك. هو مأوى القلوب قبل أن يكون حدوداً مرسومة على الخرائط، وهو نبض الأمل قبل أن يكون شعاراً يُردَّد في الميادين.
الوطنية ليست أن تهتف بأعلى صوتك: "أنا أحب وطني"، بل أن تخفض صوتك قليلاً لتسمع أنين الجائع، وتفهم صمت المهمَّشين، وتدرك حاجات الفقراء الذين لا يملكون رفاهية التفاخر بحب الوطن، لأنهم منشغلون بالبحث عن لقمة تسد رمقهم. حب الوطن أن تحارب الفساد، لا أن تتواطأ معه. أن تزرع الخير، لا أن تجني المكاسب على حساب الآخرين. أن تبني، لا أن تهدم. أن تحافظ على القيم التي تجعلنا بشراً قبل أن نكون مواطنين.
لذا، حين تدّعي حب الوطن، اسأل نفسك: هل وطنك يحبك كما تحبه؟ وهل أحببته بما يكفي ليحبك؟ الحب ليس شعاراً يُرفع، بل وفاءٌ يُثبت في لحظات الحقيقة، في أوقات المحن، في قدرة الإنسان على أن يكون صوتاً للحق، حتى لو كلّفه ذلك كل شيء. فإن لم يكن حبك للوطن ممزوجاً بالعدل، مطرّزاً بالرحمة، مُحاطاً بالقيم، فاعلم أنك تخونه وأنت تظن أنك تعشقه.