تداعيات أحداث الساحل السوري.. هل تنجح دمشق في تحقيق الاستقرار؟
- Super User
- ملفات سياسية
- الزيارات: 1474
بقلم: د. عدنان بوزان
شهد الساحل السوري خلال الفترة الأخيرة تطورات كبيرة أعادت خلط الأوراق السياسية والعسكرية، وأثارت تساؤلات جوهرية حول مستقبل البلاد وقدرة السلطة الجديدة في دمشق على احتواء تداعيات هذه الأحداث. فمع سقوط النظام السوري، الذي كان يقوده حزب البعث العربي الاشتراكي، وظهور أحمد الشرع (المعروف باسم أبو محمد الجولاني)، المصنّف على قوائم الإرهاب، كقوة سياسية وعسكرية جديدة، تفاقمت التوترات الطائفية في الساحل السوري، الذي كان لعقود طويلة معقلاً أساسياً للسلطة السابقة.
لم يكن العنف الذي شهدته المنطقة مجرد صدام مسلح بين قوات السلطة الجديدة وما تبقى من عناصر النظام السابق، بل سرعان ما تحول إلى عمليات انتقامية واسعة استهدفت مدنيين، لا سيما من أبناء الطائفة العلوية، التي يُنظر إليها تاريخياً على أنها إحدى القواعد الاجتماعية للنظام البائد. وتحت ذريعة ملاحقة المطلوبين، نفّذت إدارة الأمن العام، التي باتت تسيطر على مفاصل السلطة الأمنية، حملات تصفية جسدية شملت مدنيين، بينهم أطفال ونساء ومسنّون، في مشهد ذكّر الكثيرين بممارسات تنظيم داعش خلال سنوات الصراع الماضية.
مع تصاعد أعمال العنف والقتل على الهوية، وجد الساحل السوري نفسه أمام أزمة إنسانية متفاقمة، حيث تزايدت أعداد النازحين الفارين من عمليات الإعدام الميداني والمداهمات العشوائية، بينما أخفقت جهود المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية في فرض أي شكل من أشكال الرقابة أو التدخل لوقف الانتهاكات. وفي ظل هذه الأوضاع المتوترة، تواجه السلطة الجديدة في دمشق اختباراً حقيقياً في إدارة المشهد الأمني والسياسي. فهل ستنجح في إعادة الاستقرار إلى المنطقة، أم أن النزعة الانتقامية والصراعات الطائفية ستؤسس لمرحلة جديدة من عدم الاستقرار؟
يبحث هذا الملف في تفاصيل الأحداث التي عصفت بالساحل السوري، مسلطاً الضوء على طبيعة الممارسات التي انتهجتها السلطة الجديدة، ومدى إمكانية نجاحها في تجاوز الانقسامات الطائفية وتقديم نموذج حكم مختلف عن الحقبة السابقة. كما يناقش السيناريوهات المستقبلية المحتملة، بين إعادة فرض النظام بالقوة، أو التوصل إلى حلول سياسية تضمن الاستقرار بعيداً عن منطق الانتقام والصراع الطائفي.
أولاً: سلطة أحمد الشرع وإدارة الأمن العام.. تصفية حسابات أم فرض نظام جديد؟؟:
بعد سقوط النظام السوري، برزت سلطة أحمد الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، كفاعل رئيسي في المشهد السياسي والعسكري، مستغلة الفراغ الأمني والتغيرات الإقليمية والدولية. ومع تولي إدارة الأمن العام مهام ضبط الأمن وإعادة تشكيل النظام الحاكم، بدأت سلسلة من العمليات التي وصفتها السلطة الجديدة بأنها ضرورية لملاحقة عناصر النظام السابق، فيما اعتبرها آخرون عمليات انتقامية موسعة تستهدف الخصوم السياسيين والطائفيين على حد سواء.
1- حملة أمنية أم تصفية حسابات؟:
منذ تولي الشرع وحكومته السلطة، شنت إدارة الأمن العام حملات اعتقال وإعدامات ميدانية طالت مئات الأشخاص، معظمهم من المدنيين، تحت ذريعة ملاحقة بقايا النظام السابق. ومع تصاعد وتيرة العنف، بدأت التقارير تتحدث عن إجراءات تطهير طائفي تستهدف مجموعات بعينها، وخاصة الطائفة العلوية، التي ارتبطت بالنظام السابق.
تؤكد الحكومة الجديدة أن هذه العمليات ضرورية لضمان الأمن والاستقرار ومنع عودة أي نشاط معارض، لكن منظمات حقوق الإنسان ووثائق مسربة من داخل إدارة الأمن العام كشفت عن انتهاكات واسعة، تشمل الاعتقالات العشوائية، وعمليات الإعدام دون محاكمات عادلة، والقتل على الهوية، في مشهد يعيد للأذهان أساليب الجماعات المتطرفة مثل داعش، التي استخدمت العنف وسيلة لفرض سيطرتها.
2- إدارة الأمن العام.. أداة لضبط الأمن أم إعادة إنتاج القمع؟:
إدارة الأمن العام، التي يُفترض أن تكون جهازاً لضبط الأمن وحفظ النظام، تحولت إلى ذراع قمعية رئيسية لتنفيذ سياسات السلطة الجديدة. وبينما تؤكد قياداتها أن مهمتها الأساسية هي استعادة الاستقرار ومنع الفوضى، تتزايد التقارير عن انتهاكات مروعة وجرائم حرب، وسط تساؤلات حول مدى إمكانية تحولها إلى قوة بوليسية مشابهة للأجهزة الأمنية في الحقبة السابقة، لكن بأيديولوجيا جديدة.
3- مستقبل السلطة الجديدة: حكم مستقر أم دورة جديدة من العنف؟:
مع استمرار التصعيد، يواجه أحمد الشرع وحكومته تحديات هائلة، إذ إن استخدام العنف كأداة للسيطرة قد يقود إلى رد فعل عنيف من الفئات المستهدفة، مما يهدد بفتح جبهة مقاومة جديدة ضد حكمه. في المقابل، يرى بعض المحللين أن نجاح هذه السلطة مرهون بتقديم نموذج حكم مختلف، يعتمد على المصالحة الوطنية وبناء مؤسسات مدنية حقيقية، بدلاً من تكريس حكم أمني قائم على القمع والتصفية.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تسعى حكومة أحمد الشرع إلى بناء نظام جديد قائم على العدالة والاستقرار، أم أن ما يحدث ليس سوى تصفية حسابات تعيد إنتاج العنف في ثوب مختلف؟
ثانياً: جرائم على الهوية ومجازر مروعة.. الساحل السوري في قلب العاصفة:
شهد الساحل السوري، الذي يعد من أهم معاقل النظام السابق، موجة غير مسبوقة من العنف الطائفي والقتل على الهوية بعد تدهور الأوضاع السياسية في البلاد. هذه المنطقة، التي كانت تعرف منذ عقود بأنها مركز الثقل السياسي والاجتماعي للطائفة العلوية، أصبحت بؤرة للاحتقان والصراعات الداخلية بعد سيطرة سلطة أحمد الشرع. وسرعان ما تحولت إلى ساحة لمجازر مروعة وتصفية حسابات طائفية استهدفت المدنيين من مختلف الفئات الاجتماعية.
1- جرائم على الهوية:
مع تصاعد الأحداث العسكرية والسياسية، أصبحت الهوية الطائفية واحدة من أبرز العوامل التي يتم استهدافها في العمليات العسكرية. وقد تركزت عمليات القتل والتعذيب والاعتقال على أفراد ينتمون للطائفة العلوية، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا العنف مجرد ردود فعل انتقامية على خلفية الصراع الطويل بين النظام السابق وبعض الفصائل المعارضة، أم أنه جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير النسيج الاجتماعي والطائفي في المنطقة. ففي ظل الأوضاع الراهنة، وُصِفَت العديد من هذه الأعمال بأنها "قتل على الهوية"، حيث استهدفت حملات القمع جميع من يُشتبه في ولائهم للنظام البائد.
2- المجازر المروعة:
المنطقة الساحلية، التي تضم محافظة اللاذقية وغيرها من المدن والقرى، شهدت العديد من المجازر التي أودت بحياة المئات من المدنيين الأبرياء. قوات الأمن العام، التي أصبحت تمثل سلطة الأمر الواقع، شنت حملات إعدام ميدانية استهدفت مناطق كاملة، بدعوى تطهيرها من أي تهديدات محتملة للنظام الجديد. تم توثيق مجازر جماعية ارتكبت ضد عائلات بأكملها، حيث قُتل الأطفال، النساء، والمسنّون في مشاهد وحشية كانت تذكّر في ملامحها بممارسات جماعات متطرفة مثل تنظيم داعش. هذه المجازر كانت في كثير من الأحيان تُنفذ دون تمييز بين المدنيين والعسكريين، مما يعكس استهتاراً بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.
3- الاختفاء القسري والتشريد:
بالإضافة إلى القتل الجماعي، عاشت العديد من العائلات الساحلية في حالة من الخوف الدائم نتيجة للاختفاء القسري للمئات من الأبرياء الذين تم اعتقالهم دون توجيه تهم قانونية. أعداد هائلة من النازحين هربوا إلى المناطق الأخرى بحثاً عن الأمان، مما خلق أزمة إنسانية في مناطق الإيواء. مع استمرار هذه الأعمال، أصبحت حياة المدنيين في الساحل السوري مهددة، ليس فقط بفعل القصف والاشتباكات العسكرية، ولكن أيضاً بسبب الانتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان.
4- الساحل السوري في قلب العاصفة:
كلما ازدادت أعمال القتل والتشريد في الساحل السوري، زادت العزلة بين الطوائف المختلفة في المنطقة. وبدلاً من أن تكون هذه المنطقة مكاناً للمصالحة وإعادة بناء الثقة بين مكوناتها المختلفة، أصبحت ساحات لتصفية الحسابات الطائفية. ومع استمرار هذه الجرائم المروعة، يجد المجتمع الدولي نفسه في موقف حرج، إذ تعثرت الجهود الدولية في فرض رقابة فعالة على الأرض أو حتى محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
السؤال الأهم الآن هو: هل يمكن للساحل السوري أن يخرج من هذه العاصفة؟ أم أن العنف المتصاعد سيستمر في تحطيم كل فرص السلام والعدالة؟
ثالثاً: هل تعيد دمشق ضبط الأمن أم أن العنف سيؤسس لمرحلة جديدة من الصراع؟:
بعد سلسلة من الأحداث الدموية التي عصفت بالساحل السوري، بات السؤال الأبرز في الأروقة السياسية والعسكرية: هل ستنجح دمشق في استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، أم أن العنف المتصاعد سيؤدي إلى تأسيس مرحلة جديدة من الصراع المستمر؟
1- السلطة الجديدة في دمشق: إعادة الهيبة أم تعميق الصراع؟:
تُظهر سيطرة سلطة أحمد الشرع على مفاصل الدولة والمؤسسات الأمنية في دمشق تصميماً على استعادة السيطرة على الأرض، وفرض الأمن بالقوة. ومع تحول إدارة الأمن العام إلى الأداة الرئيسية لضبط الوضع، تسعى دمشق إلى إعادة ترتيب الأمور في المنطقة الساحلية، التي باتت تُعدّ واحدة من أكثر المناطق توتراً في سوريا. ومع ذلك، فإن السؤال يبقى: هل يمكن لأساليب القمع والرد العنيف أن تُؤسس لاستقرار حقيقي؟ أم أن هذه السياسات ستغذي المزيد من الفوضى والصراع الطائفي؟
لقد بات واضحاً أن محاولات السيطرة بالقوة على مناطق كانت تعتبر ذات أهمية استراتيجية وأمنية للنظام السابق قد تُفضي إلى مفاقمة الصراعات الداخلية. وبينما ترى دمشق أن هذه الإجراءات ضرورية لفرض النظام، يعارض كثيرون هذه السياسة ويعتبرونها إعادة إنتاج للفوضى التي أفضت إلى ظهور فصائل مسلحة أخرى، إضافة إلى تعزيز النفوذ الطائفي والمناطقي في البلاد.
2- هل يمكن لدمشق كبح جماح العنف؟:
الواقع يفرض على دمشق مواجهة التحديات الأمنية الكبرى. فبينما يسعى النظام إلى استعادة الأراضي المفقودة، يواجه أعمال المقاومة من قبل فصائل متعددة ترفض هيمنة السلطة الجديدة. في المقابل، فإن النسيج الاجتماعي في المناطق المتأثرة بالصراع، مثل الساحل، تمزق بشكل كبير بسبب المجازر والتصفية الطائفية، مما يخلق بيئة لا تسمح بعودة الثقة بسهولة.
إعادة بناء الأمن في مثل هذه الظروف ليس بالأمر اليسير، خاصةً أن إدارة الأمن العام قد فقدت مصداقيتها في أعين الكثيرين بسبب تجاوزاتها الفظيعة، بما في ذلك القتل العشوائي والاعتقالات غير القانونية. إن الحفاظ على استقرار المنطقة يتطلب المزيد من الإجراءات الموازية لتطبيق العدالة والمصالحة الوطنية، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الغياب التام للرقابة الدولية.
3- سيناريوهات الصراع المستقبلي:
إذا استمرت الحكومة في استخدام الأساليب الأمنية المفرطة دون إصلاحات سياسية شاملة، فقد يؤدي ذلك إلى إدامة حالة عدم الاستقرار في الساحل السوري. في هذه الحالة، يمكن أن يُؤسس العنف لقوة معارضة جديدة أو حتى إشعال فتيل انتفاضات داخلية تضاف إلى الصراعات القائمة في مناطق أخرى من سوريا. من جهة أخرى، إذا نجحت دمشق في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية، وقدمت ضمانات قانونية وأمنية لجميع الفئات، فقد تساهم في إعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، مما يساهم في استعادة الاستقرار على المدى الطويل.
الخلاصة: بينما تسعى دمشق جاهدة لاستعادة الأمن في منطقة الساحل السوري، لا يمكن إنكار أن العنف المتصاعد قد يُفضي إلى نتائج عكسية، ويؤسس لمرحلة جديدة من الصراع قد تطول أكثر. إن النجاح في كبح جماح هذا العنف والعودة إلى مسار الاستقرار يعتمد بشكل رئيسي على قدرة السلطة الجديدة على تطبيق إصلاحات حقيقية، بعيداً عن منطق الانتقام والطائفية. في النهاية، إذا استمرت السياسات الأمنية الراهنة، قد يجد السوريون أنفسهم في دائرة مفرغة من العنف المستمر والصراعات الدموية.
رابعاً: من ملاحقة فلول النظام إلى الانتقام الطائفي.. قراءة في ممارسات إدارة الأمن العام:
لطالما كانت إدارة الأمن العام في سوريا أحد الأعمدة الأساسية في هيكل النظام السياسي، حيث لعبت دوراً رئيسياً في إدارة الشؤون الأمنية والسيطرة على الشعب. ومع بداية ظهور السلطة الجديدة بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، تحول هذا الدور إلى أداة قمعية رئيسية في الصراع الدائر في البلاد، لتصبح إدارة الأمن العام مركزاً للممارسات الأمنية العنيفة والمثيرة للجدل. فمن جهة، تم تبرير العديد من العمليات تحت ذريعة ملاحقة "فلول النظام السابق"، ولكن من جهة أخرى، أصبحت هذه العمليات تحمل طابعاً طائفياً بحتاً، يستهدف فئات معينة بناءً على انتماءاتهم الطائفية والاجتماعية.
1- من ملاحقة فلول النظام إلى الانتقام الطائفي:
بعد سقوط النظام البعثي، وبدخول أحمد الشرع إلى سدة الحكم، كان من المتوقع أن تتجه إدارة الأمن العام نحو ملاحقة فلول النظام السابق، بما فيهم القادة العسكريون والأمنيون الذين عملوا تحت قيادة الرئيس الهارب بشار الأسد. لكن سرعان ما تبين أن هذه الملاحقات لم تكن تقتصر على عناصر النظام فقط، بل تحولت إلى حملات انتقامية تطال المدنيين الأبرياء الذين يُعتقد أنهم ينتمون للطائفة العلوية أو أي فئة أخرى ترتبط تاريخياً بالنظام.
كانت إدارة الأمن العام، تحت إشراف السلطات الجديدة، تلاحق وتعتقل العديد من الأشخاص بناءً على خلفياتهم الطائفية، في ما يشبه "الانتقام الجماعي" من الطائفة العلوية، وهو ما جعل التمييز الطائفي جزءاً من الممارسات اليومية للسلطات الأمنية. هذا التوجه أضاف مزيداً من التوتر بين مختلف الأطياف المجتمعية، وأدى إلى تفاقم الانقسامات الطائفية في البلد بشكل غير مسبوق.
2- استخدام العنف المفرط:
الممارسات التي قامت بها إدارة الأمن العام شملت استخدام العنف المفرط ضد المدنيين العزل. فالتصفيات الجسدية كانت شائعة، حيث تم تنفيذ عمليات قتل ميداني بحق أفراد مشتبه بهم، في معظم الأحيان دون محاكمات أو حتى أدلة واضحة تدينهم. كما شملت الحملة الأمنية مداهمات للمنازل، وتدمير الممتلكات، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية التي طالت الآلاف من الأبرياء. وقد وصفت هذه الأساليب بأنها أساليب دموية وممنهجة تهدف إلى إخضاع المجتمع السوري لسلطة العنف والإرهاب.
3- القتل على الهوية:
في حالات عديدة، كانت عمليات القتل والاعتقال تتم على الهوية، وهو ما يجعل هذه الأعمال بمثابة "حروب طائفية" حيث يتم استهداف المدنيين فقط بناء على انتمائهم الطائفي أو الاجتماعي. القتل على الهوية أصبح سمة بارزة للعديد من حملات التفتيش التي نفذتها إدارة الأمن العام في القرى والمدن الساحلية، مما عمق هوة الكراهية بين الطوائف وأدى إلى استقطاب طائفي حاد في صفوف السوريين.
4- غياب المساءلة والمحاسبة:
إن غياب المساءلة القانونية والمحاسبة على هذه الانتهاكات الفظيعة زاد من تعقيد الوضع. بينما تواصل إدارة الأمن العام تصرفاتها دون رادع قانوني، نجم عن ذلك إحساس متزايد بالإفلات من العقاب، مما عزز القمع السياسي وأدى إلى انتشار الفساد داخل أجهزة الدولة. هذا الوضع جعل من الصعب على المجتمع المدني أو المنظمات الحقوقية أن تجد آذاناً صاغية من أجل وقف هذه الانتهاكات، حيث كانت الحكومة الجديدة تنكر أو تبرر معظم الممارسات الوحشية تحت مسمى الحفاظ على الأمن الوطني.
5- التأثيرات المستقبلية:
مع استمرار هذه الممارسات، من المتوقع أن تؤدي سياسة الانتقام الطائفي إلى إعادة إنتاج العنف بشكل دوري، مما سيجعل من الصعب بناء دولة قانون ومؤسسات شفافة في المستقبل. إن استمرار الانتهاكات الممنهجة قد يؤدي إلى المزيد من الرفض الاجتماعي من قبل المجموعات المستهدفة، مما يفتح المجال لاندلاع صراعات جديدة على المدى البعيد.
إذا لم تتوقف هذه السياسات الأمنية، فإن دمشق قد تجد نفسها في دائرة مفرغة من العنف والتطرف الطائفي، مما يجعل فرص التوصل إلى حلول سلمية بعيدة المنال. في النهاية، إذا لم يتم اتخاذ خطوات حقيقية نحو المصالحة الوطنية وإيقاف دائرة الانتقام، فإن الوضع في سوريا قد يستمر في التدهور، مما سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات والصراعات الطائفية.