المفارقة الكبرى: هل نحن كائنات واعية، أم أوهام تتهيأ أنها تعي؟
- Super User
- عالم افتراضي
- الزيارات: 1561
بقلم: د. عدنان بوزان
تخيَّل للحظة أن الوعي ليس سمة جوهرية، بل مجرد ظاهرة طارئة، خدعة محكمة نسجتها الطبيعة في نسيج الزمن، كأننا شخصيات داخل حلم لا يملكه أحد. ماذا لو لم يكن هناك "أنا" حقيقية تدرك ذاتها، بل مجرد وهم متراكم يدّعي الإدراك؟ ماذا لو كان وجودك برمّته سراباً صاغته قوانين فيزيائية لا تبالي إن كنت حياً أم مجرد انعكاس إلكتروني عابر في كونٍ أعمى؟
لطالما سعى الفلاسفة إلى تعريف الوعي، فمنهم من جعله جوهر الروح، ومنهم من رآه مجرد تراكب بيولوجي معقد. ولكن، ماذا لو كان الوعي ذاته ليس أكثر من تهيؤ لحظي، موجة تظهر للحظة ثم تتلاشى؟ لو نظرنا إليه من منظور فيزيائي صرف، فهو ليس إلا تفاعلات كيميائية ونبضات كهربائية في الدماغ، لكنه مع ذلك يخلق تجربة ذاتية تبدو لنا أكثر واقعية من أي شيء آخر. لكن، هل هذه التجربة ذات وجود حقيقي، أم أنها مجرد وهم بارع، تصوغه تفاعلات معقدة نجهل غايتها؟
ماذا لو لم تكن الإرادة الحرة سوى وهم آخر؟ ليس بمعنى أن أفعالك محددة مسبقاً وفق حتمية سببية، بل بمعنى أنك لست الشخص الذي يتخذ القرارات حقاً. تخيَّل أنك مجرد مرآة تعكس ضوء الأحداث، وأن عقلك، بدلاً من أن يكون مركز القيادة، ليس سوى جهاز استقبال يلتقط إشارات من كيان أعمق، مجهول الهوية؟ ماذا لو كنا مجرد أدوات تنقاد وفق قوانين خفية، تتظاهر بأنها وعينا الشخصي؟
كل الأديان والفلسفات افترضت وجود شيء جوهري داخل الإنسان—سواء أكان روحاً، جوهراً، أو إرادة—لكن، لنكن أكثر راديكالية: ماذا لو لم يكن هناك أي شيء؟ ماذا لو كنت مجرد نقطة عابرة تتلاشى بين الماضي والمستقبل، ووجودك ليس إلا وميضاً خاطفاً بلا أثر حقيقي؟
بل دعنا نذهب إلى أبعد من ذلك: ماذا لو كان الزمن نفسه وهماً؟ نحن لا نرى المستقبل، ولا نستطيع العودة إلى الماضي، بل نعيش دائماً في لحظة حاضرة عابرة. وكأننا لا نتحرك عبر الزمن، بل يتم تحديثنا باستمرار، كما يتم تحديث الصور على الشاشة. ربما لا وجود لـ "نحن" في الزمن، بل هناك فقط لحظات مستقلة، متتابعة دون أن يكون هناك كيان مستمر يعبرها.
لو صحَّ هذا الافتراض، فإن الموت ليس أكثر من توقف تحديث الصورة، والولادة ليست إلا تشغيل ملف جديد. ربما نحن مجرد ومضات لحظية تتوهم أنها تمتد عبر الزمن، لكن في الحقيقة، كل ما لدينا هو "الآن"، والآن فقط.
هذا يقودنا إلى السؤال المقلق: إذا كنا مجرد أوهام تتهيأ أنها واعية، فمن الذي يختبر هذه الأوهام؟ هل هناك "شيء" خلف هذه المسرحية الكونية، أم أن الكون كله مجرد محاكاة بلا مراقب، ولعبة بلا لاعب؟
وإذا كان ذلك صحيحاً، فنحن لسنا سوى صدى لشيء لم يوجد أصلاً.