آفاق التطبيع التركي-السوري: نحو تقسيم سوريا وتداعياته المحتملة
بقلم: د. عدنان بوزان
يشهد العالم اليوم تحولات جذرية في المشهد السياسي الإقليمي، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتداخل المصالح السياسية والاستراتيجية للدول الكبرى مع تطلعات الشعوب في الحرية والعدالة. في هذا السياق، يشكل موضوع التطبيع بين النظامين التركي والسوري محور اهتمام بالغ، نظراً لتداعياته الكبيرة المحتملة على مستقبل سوريا والمنطقة بأسرها. فالتطبيع بين أنقرة ودمشق، والذي يبدو أنه يستند إلى دوافع براغماتية بحتة، قد يحمل في طياته تحولات جذرية قد تعيد رسم الخريطة السياسية السورية، وربما تقود إلى تقسيم البلاد إلى أقاليم متناحرة.
إن التطبيع التركي-السوري، الذي يأتي بعد سنوات من الصراع والمواجهات المسلحة، يُعَدُّ تطوراً غير متوقع للكثيرين. فمنذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، دعمت تركيا المعارضة السورية بشكل كبير، وساهمت في تقديم الدعم الإنساني والعسكري لها. هذا الدعم كان يُنظر إليه على أنه جزء من استراتيجية تركيا لحماية أمنها القومي ومواجهة التهديدات الكوردية على حدودها. ولكن مع تغير الظروف السياسية والعسكرية على الأرض، ومع بروز القوى الكوردية كحليف رئيسي للولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، بدأت تركيا تبحث عن مخرج يُعزز مصالحها الاستراتيجية، وهو ما قد يفسر اتجاهها نحو تطبيع العلاقات مع النظام السوري.
إن عودة العلاقات التركية-السورية قد تكون لها تأثيرات عميقة على التوازنات الإقليمية في المنطقة. فمن جهة، قد يؤدي هذا التطبيع إلى تعزيز سيطرة النظام السوري على مناطق المعارضة، مما يزيد من احتمال وقوع مواجهات جديدة. ومن جهة أخرى، قد يشكل هذا التطور ضغطاً على القوى الدولية الأخرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، لاتخاذ مواقف أكثر حسماً تجاه الملف السوري.
ولكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن لهذا التطبيع أن يؤدي إلى تقسيم سوريا؟ إن هذا السؤال يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، تتراوح بين توطيد سيطرة النظام على كامل الأراضي السورية، وبين تقسيم البلاد إلى أقاليم ذات طابع عرقي وديني مميز. فالمناطق الشمالية الشرقية من سوريا، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي، تبدو وكأنها تسير في اتجاه مختلف عن باقي البلاد، معززاً بفكرة الحكم الذاتي أو حتى الاستقلال. هذا بالإضافة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المدعومة من تركيا في الشمال الغربي، والتي قد ترى في التطبيع خيانة لقضيتها وتدفع نحو تصعيد جديد.
إن الآثار المحتملة لهذا التطبيع تتجاوز الحدود الجغرافية لسوريا لتشمل المنطقة بأسرها، حيث أن التغيرات في المشهد السوري تؤثر بشكل مباشر على التوازنات الإقليمية. إن عودة سيطرة النظام السوري على مناطق المعارضة، بمساعدة محتملة من تركيا، قد يغير ميزان القوى بين الأطراف الإقليمية الفاعلة، مثل إيران والسعودية وقطر، ويعيد تحديد الأولويات الاستراتيجية لتلك الدول.
إذن، يُعد التطبيع التركي-السوري خطوة محفوفة بالمخاطر والتحديات، قد تحمل معها أملاً في تحقيق الاستقرار أو قد تدفع باتجاه مزيد من الانقسام والتوتر. إن الأوضاع الحالية في سوريا والمنطقة تتطلب حذراً شديداً وحسابات دقيقة، حيث أن أي خطوة خاطئة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة ليس فقط على سوريا، بل على المنطقة بأسرها.
إن التطورات المرتبطة بالتطبيع التركي-السوري تتطلب تحليلاً عميقاً للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها سوريا حالياً. فمع تراجع قدرات النظام السوري الاقتصادية والعسكرية نتيجة الحرب المستمرة، ومع ازدياد نفوذ القوى الإقليمية والدولية في البلاد، تجد تركيا نفسها في موقف استراتيجي معقد. فبينما تحاول تركيا حماية مصالحها الأمنية والحدودية، خاصة في مواجهة التهديدات الكوردية، تجد نفسها أيضاً مضطرة للتعامل مع تداعيات انهيار النظام السوري أو تقسيم البلاد، وهو سيناريو قد يحمل في طياته مخاطر أمنية وإنسانية كبيرة.
من جانب آخر، يبقى مصير المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، لا سيما في شمال غرب سوريا، موضع تساؤل. ففي حال تخلت تركيا عن دعمها للمعارضة السورية ضمن إطار التطبيع مع النظام، قد يواجه المدنيون والمعارضون خطر القمع والاضطهاد. هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى موجة جديدة من النزوح واللجوء، مما يزيد من الأعباء على الدول المجاورة، وخاصة تركيا التي تستضيف بالفعل ملايين اللاجئين السوريين. علاوة على ذلك، فإن هذه المناطق قد تشهد تصاعداً في نشاط الجماعات المسلحة والمتطرفة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني.
أما بالنسبة لمنطقة شرق الفرات، التي تعتبر منطقة حساسة بفضل تواجد الموارد الطبيعية والنفطية فيها، فإن مسألة السيطرة عليها تعتبر مسألة بالغة الأهمية. فالتواجد الأمريكي في هذه المنطقة يدعم الاستقرار النسبي ويشكل حاجزاً أمام تمدد النظام السوري أو التأثير الإيراني. ومع ذلك، فإن أي انسحاب أمريكي مفاجئ قد يفتح الباب أمام تحركات غير متوقعة من قبل النظام أو تركيا أو حتى القوات الكوردية، مما يضيف مزيداً من التعقيد إلى الأزمة السورية.
وفي ظل هذه السيناريوهات المعقدة، يبقى التساؤل حول مستقبل سوريا كدولة موحدة قائماً. هل يمكن أن تتوصل القوى الإقليمية والدولية إلى اتفاق يحافظ على وحدة البلاد ويحقق السلام؟ أم أن سوريا ستتجه نحو تقسيم فعلي إلى أقاليم ذات طابع عرقي أو ديني مميز؟ الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة وتعاوناً دولياً واسعاً، بالإضافة إلى إشراك جميع الأطراف السورية في عملية سياسية شاملة وعادلة.
خلاصة، يُعتبر التطبيع التركي-السوري قضية محورية تتطلب متابعة دقيقة وتفكيراً استراتيجياً من قبل جميع الأطراف المعنية. إن تحقيق استقرار طويل الأمد في سوريا والمنطقة يستلزم حلولاً شاملة تأخذ في الاعتبار المصالح المتباينة لجميع اللاعبين الإقليميين والدوليين، بالإضافة إلى تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة. وفي هذا السياق، يجب أن يكون الهدف الأساسي هو تجنب مزيد من التصعيد والعنف، والعمل نحو مستقبل سوري موحد ومزدهر.
في هذا التحليل، سنستعرض آثار التطبيع المحتمل بين النظامين التركي والسوري على مستقبل سوريا، مع التركيز على المخاطر المحتملة للتقسيم وتداعياته على الساحة السياسية والمجتمعية في البلاد.
أولاً: خلفية التطبيع وأسبابه
إن الدوافع خلف التطبيع بين تركيا والنظام السوري متعددة ومعقدة. من جهة، تسعى تركيا إلى تحقيق مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية في المنطقة، بما في ذلك الحد من تأثير الكورد وضمان استقرار حدودها الجنوبية. ومن جهة أخرى، يسعى النظام السوري إلى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، بما في ذلك المناطق الخارجة عن سيطرته والتي تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة من تركيا.
إن التطبيع بين تركيا والنظام السوري يُعد من أبرز التحولات السياسية في المنطقة، خاصةً في ظل الحرب المستمرة في سوريا منذ عام 2011. لفهم دوافع هذا التحول، يجب النظر إلى مجموعة من العوامل الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تلعب دوراً محورياً في تشكيل هذه العلاقات المعقدة.
1. المصالح الأمنية التركية
تعتبر تركيا أن الأمن القومي هو أولويتها القصوى، وهذا يتجلى بوضوح في سياستها تجاه الأزمة السورية. من أهم القضايا الأمنية التي تؤرق تركيا هو وجود القوى الكوردية المسلحة على حدودها الجنوبية. تُعد وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (SDF)، تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي. وترى تركيا في هذه القوات امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية.
سعت تركيا إلى مواجهة هذا التهديد عبر سلسلة من العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية، مثل عملية "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، بهدف إبعاد القوات الكوردية عن حدودها. ومع ذلك، فإن هذه العمليات لم تحل القضية بشكل نهائي، بل أضافت تعقيداً إلى المشهد الأمني والسياسي. لذا، قد ترى تركيا في التطبيع مع النظام السوري وسيلة لخلق توازن جديد يحد من النفوذ الكوردي ويعزز الأمن على حدودها.
2. المصالح السياسية التركية
سياسياً، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في المنطقة والتأكد من عدم تكون أي كيان كوردي مستقل على حدودها الجنوبية. هذا الهدف يأتي في إطار رؤيتها الأوسع التي تتطلع إلى تحقيق تأثير أكبر في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. تعتبر سوريا جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجية، حيث تسعى أنقرة إلى ضمان أن يكون لها دور مؤثر في أي ترتيبات سياسية مستقبلية في البلاد.
تتضمن هذه الأهداف أيضاً احتواء النفوذ الإيراني والروسي في سوريا، حيث تعتبر تركيا أن تواجد هاتين القوتين يشكل تحدياً لنفوذها الإقليمي. من هنا، يأتي تطبيع العلاقات مع النظام السوري كخطوة قد تمكنها من اللعب على تناقضات القوى الكبرى وتحقيق مصالحها.
3. المصالح الاقتصادية التركية
من الناحية الاقتصادية، تعتبر سوريا سوقاً مهمة لتركيا، سواء من حيث التبادل التجاري أو الاستثمارات. قبل الحرب، كانت سوريا تعد أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لتركيا في المنطقة، ومع تطبيع العلاقات، يمكن أن تُفتح الأبواب أمام استعادة هذه العلاقات الاقتصادية الحيوية.
علاوة على ذلك، يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تعزيز الاقتصاد التركي، خاصةً في ظل التحديات الاقتصادية الداخلية التي تواجه البلاد. بالتالي، قد يعتبر التطبيع مع سوريا فرصة لتحفيز الاقتصاد من خلال مشاريع إعادة الإعمار والاستثمارات في البنية التحتية السورية، خاصةً إذا تم التوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب.
4. مصالح النظام السوري
على الجانب الآخر، يسعى النظام السوري إلى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، بما في ذلك المناطق الخارجة عن سيطرته والتي تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة من تركيا. إن التعاون مع تركيا قد يوفر للنظام السوري فرصة لتقليل التواجد العسكري التركي في الشمال السوري، مما يسهل عليه استعادة هذه المناطق.
كما أن النظام السوري يسعى إلى فك عزلته الدولية وإعادة بناء علاقاته مع الدول الإقليمية والدولية. التطبيع مع تركيا يمكن أن يكون خطوة مهمة في هذا الاتجاه، حيث قد يساهم في تعزيز شرعية النظام دولياً وفتح المجال أمام إعادة الإعمار والتمويل الدولي.
5. الديناميكيات الدولية والإقليمية
لا يمكن فصل التطبيع التركي-السوري عن السياق الدولي والإقليمي الأوسع. فالتغيرات في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، والتنافس بين القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة، كلها عوامل تؤثر على حسابات الأطراف المعنية. تركيا، في هذا السياق، تسعى إلى الحفاظ على توازن بين علاقاتها مع الغرب (وخاصة الولايات المتحدة) وروسيا، وتطبيعها مع النظام السوري يمكن أن يكون جزءاً من هذه الاستراتيجية.
الخلاصة، إن الدوافع وراء التطبيع بين تركيا والنظام السوري متعددة ومعقدة، تجمع بين المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية لكل من الطرفين. تركيا تسعى إلى تأمين حدودها والتصدي للنفوذ الكوردي، وتعزيز نفوذها في المنطقة، فيما يسعى النظام السوري إلى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية وكسر العزلة الدولية. في هذا السياق، يبدو أن التطبيع بين الطرفين قد يكون خطوة تكتيكية تحقق بعضاً من هذه الأهداف، ولكنه يظل محفوفاً بالتحديات والمخاطر، في ظل تعقيدات المشهد السوري والإقليمي والدولي.
ثانياً: انعكاسات التطبيع على المعارضة السورية
يشعر قسم كبير من المعارضة السورية والشعب السوري بالخيانة من قبل تركيا إذا ما مضت في مسار التطبيع مع النظام السوري. فقد كانت تركيا داعمة رئيسية للمعارضة السورية منذ بداية الثورة في 2011، وتقديمها على هذا المسار قد يُفسر على أنه تخلٍ عن المعارضة وتسليمها للنظام. من المتوقع أن يتسبب هذا التحول في ردود فعل غاضبة بين صفوف المعارضة والمجتمعات المحلية، مما قد يؤدي إلى إشعال نيران الثورة من جديد، ولكن هذه المرة بشكل أكثر عنفاً وانتقامية، سواء من قبل النظام أو من قبل المعارضة.
إن التطبيع المحتمل بين تركيا والنظام السوري يحمل في طياته تداعيات عميقة على المعارضة السورية والشعب السوري على حد سواء. منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، لعبت تركيا دوراً بارزاً في دعم المعارضة، سواء من خلال توفير ملاذ آمن للنازحين واللاجئين أو عبر تقديم الدعم اللوجستي والعسكري لبعض فصائل المعارضة. هذا الدعم كان جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إسقاط نظام بشار الأسد وتحقيق تغيير سياسي في سوريا يتماشى مع تطلعات الشعب السوري للحرية والكرامة.
1. مشاعر الخيانة والاستياء
التطبيع بين تركيا والنظام السوري قد يُنظر إليه من قبل العديد من السوريين كخيانة لمبادئ الثورة السورية. فقد كانت تركيا تُعتبر أحد أهم الحلفاء للمعارضة، وبالتالي فإن التحول نحو التقارب مع النظام الذي كانت المعارضة تسعى لإسقاطه يمكن أن يُفسر على أنه تخلي عن المعارضة. هذا الشعور بالخيانة قد يؤدي إلى استياء واسع بين صفوف المعارضين والمجتمعات المحلية، الذين يشعرون بأن تضحياتهم قد ذهبت سدى.
علاوة على ذلك، فإن هذا التطبيع قد يُفقد المعارضة مصداقيتها لدى قواعدها الشعبية، التي قد ترى في هذا التحول انتصاراً للنظام وانكساراً للمعارضة. قد يؤدي هذا إلى انشقاقات داخل صفوف المعارضة نفسها، حيث قد تبحث بعض الفصائل عن حلفاء جدد أو حتى تلجأ إلى تغيير استراتيجياتها في مواجهة النظام.
2. انعكاسات سياسية وعسكرية
التطورات السياسية الناتجة عن التطبيع التركي-السوري قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في الخريطة العسكرية والسياسية في سوريا. تركيا، التي كانت تحتفظ بوجود عسكري في مناطق الشمال السوري لدعم المعارضة، قد تضطر إلى إعادة النظر في وجودها هناك. هذا قد يفتح المجال أمام النظام السوري لإعادة بسط سيطرته على هذه المناطق، مما قد يؤدي إلى اشتباكات جديدة بين قوات النظام والفصائل المعارضة.
كما أن انسحاب تركيا أو تخفيف دعمها للمعارضة قد يشجع النظام السوري وحلفاءه، مثل روسيا وإيران، على تصعيد عملياتهم العسكرية ضد مناطق المعارضة. هذا التصعيد قد يكون له آثار كارثية على المدنيين، ويزيد من معاناتهم الإنسانية ويؤدي إلى موجات نزوح جديدة.
3. احتمالات تجدد الصراع والعنف
إن شعور المعارضة السورية بالخيانة من قبل تركيا قد يدفع بعض الفصائل إلى تبني استراتيجيات أكثر تطرفاً، بما في ذلك اللجوء إلى العنف بشكل أكبر. قد تتجه بعض الفصائل إلى التحالف مع جماعات مسلحة أكثر تطرفاً أو حتى إلى تبني أساليب حرب العصابات في مواجهة قوات النظام وحلفائه. هذا التصعيد في العنف قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، مما يجعل من الصعب تحقيق أي تسوية سياسية مستدامة.
من جهة أخرى، قد يدفع التطبيع أيضاً النظام السوري إلى اتخاذ إجراءات قمعية أكثر ضد المعارضة والمدنيين، بما في ذلك حملات اعتقال واسعة النطاق وقمع الحريات. هذه الإجراءات قد تزيد من حدة التوترات وتؤدي إلى اندلاع احتجاجات أو حتى انتفاضات جديدة ضد النظام.
4. الانعكاسات الإنسانية
التدهور المحتمل في الوضع الأمني نتيجة التطبيع قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا. المناطق التي تسيطر عليها المعارضة قد تصبح عرضة للهجمات العسكرية المكثفة، مما يزيد من معاناة السكان المدنيين ويؤدي إلى نزوح جديد. بالإضافة إلى ذلك, فإن التوترات الجديدة قد تزيد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، مما يزيد من معاناة السكان الذين يعيشون بالفعل في ظروف قاسية.
5. التأثير على العملية السياسية
إن التطبيع التركي-السوري قد يؤثر أيضاً على العملية السياسية الجارية تحت رعاية الأمم المتحدة. قد يجد المجتمع الدولي نفسه أمام وضع معقد، حيث أن أي تقدم في المفاوضات السياسية قد يصبح مرهوناً بتوازنات القوى الجديدة على الأرض. قد يُعتبر التطبيع كخطوة تُقوي من موقف النظام السوري وتضعف المعارضة، مما يجعل من الصعب تحقيق حل سياسي متوازن يلبي تطلعات جميع الأطراف.
الخلاصة، إن التطبيع بين تركيا والنظام السوري يحمل في طياته مخاطر كبيرة على المعارضة السورية والشعب السوري بشكل عام. قد يؤدي هذا التحول إلى شعور بالخيانة بين صفوف المعارضة، ويزيد من احتمال تصعيد العنف والتدهور في الوضع الإنساني. كما أن هذا التطبيع قد يغير من موازين القوى السياسية والعسكرية في سوريا، مما يجعل من الصعب تحقيق حل سياسي شامل. في النهاية، يبقى هذا التطبيع خطوة محفوفة بالمخاطر، تتطلب دراسة دقيقة من قبل جميع الأطراف المعنية لتجنب تداعيات كارثية على الساحة السورية والإقليمية.
ثالثاً: تصاعد القمع والتصفيات
من السيناريوهات المحتملة أن يستخدم النظام السوري هذا التطبيع كفرصة للقيام بحملة واسعة من الاعتقالات والإعدامات في صفوف المعارضة، العسكريين المنشقين، الإعلاميين، والسياسيين الذين كانوا ضد النظام. هذه الخطوة لن تزيد من حدة التوتر فحسب، بل ستثير أيضاً مشاعر الخيانة والغضب بين السوريين، مما سيؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني وإمكانية تصاعد المواجهات.
في ظل التطورات السياسية والأمنية المحتملة الناجمة عن التطبيع بين تركيا والنظام السوري، يبرز احتمال تصاعد القمع والتصفيات كأحد السيناريوهات الأكثر خطورة وتأثيراً على الساحة السورية. فمنذ اندلاع الثورة السورية، اعتمد النظام السوري على استخدام القوة المفرطة والقمع الشديد في مواجهة المعارضة، سواء من خلال الاعتقالات الواسعة أو العنف المسلح. ومع تطبيع العلاقات مع تركيا، قد يجد النظام نفسه في موقف قوي يسمح له بتصعيد حملات القمع، مما يؤدي إلى تداعيات خطيرة على المستويات الأمنية والسياسية والإنسانية.
1. الحملات الأمنية المكثفة
إن أحد السيناريوهات المحتملة هو أن يستغل النظام السوري التطبيع كغطاء دولي ومحلي لتنفيذ حملات قمعية واسعة النطاق ضد المعارضة وجميع من يعتبرهم تهديداً لسلطته. قد تتضمن هذه الحملات اعتقالات واسعة تشمل الناشطين السياسيين والإعلاميين، والعديد من الشخصيات العامة التي كانت تنتقد النظام علناً أو دعمت المعارضة في السنوات الماضية. إن عودة العلاقات مع تركيا قد تُعتبر من قبل النظام كموافقة ضمنية على تصرفاته، مما يشجعه على اتخاذ خطوات قمعية دون خشية من العواقب الدولية.
2. تصفية العسكريين المنشقين
العسكريون المنشقون، الذين انضموا إلى صفوف المعارضة أو انشقوا عن النظام لأسباب أخلاقية أو سياسية، قد يكونون من بين الأهداف الرئيسية لأي حملة قمعية. هؤلاء الأفراد يمتلكون معرفة داخلية بنظام الأسد وقواته المسلحة، مما يجعلهم أهدافاً محتملة للتصفية أو الاعتقال. إن تصفية هؤلاء العسكريين قد تهدف إلى التخلص من أي تهديد محتمل للنظام وتعزيز السيطرة على الجيش. كما أن هذه الخطوة قد تُعتبر رسالة قوية لبقية العسكريين، بأن أي انشقاق أو ولاء للمعارضة سيواجه بعواقب وخيمة.
3. استهداف الإعلاميين والنشطاء
من المتوقع أن يشمل القمع أيضاً استهداف الإعلاميين والنشطاء الذين لعبوا دوراً رئيسياً في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والدعوة إلى التغيير. إن الإعلام المستقل والنشطاء المدنيين كانوا دائماً شوكة في جانب النظام، حيث سلطوا الضوء على الفظائع التي ارتكبتها القوات الحكومية والجماعات المتحالفة معها. قد يسعى النظام إلى إسكات هذه الأصوات من خلال حملات اعتقال وتخويف، مما يزيد من الصعوبة على المجتمع الدولي الحصول على معلومات دقيقة من داخل سوريا.
4. العواقب الإنسانية والاجتماعية
إن تصاعد القمع والتصفيات لن يؤدي فقط إلى زيادة التوترات بين النظام والمعارضة، بل سيؤدي أيضاً إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية داخل البلاد. إن موجات الاعتقالات والإعدامات قد تؤدي إلى خلق مناخ من الخوف والرعب بين السكان المدنيين، مما قد يدفع المزيد من السوريين إلى الفرار من البلاد، سواء بحثاً عن الأمان أو خوفاً من التعرض للقمع. هذا قد يؤدي إلى زيادة أعداد اللاجئين والمشردين، مما يشكل ضغطاً إضافياً على الدول المجاورة والمجتمع الدولي.
علاوة على ذلك، فإن هذه الإجراءات القمعية قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات داخل المجتمع السوري. فقد يتزايد الشعور بالغضب والخيانة بين المواطنين الذين دعموا الثورة السورية أو عارضوا النظام، مما قد يؤدي إلى اندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات أو حتى التصعيد المسلح. إن استخدام العنف كوسيلة لقمع المعارضة قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة من قبل الجماعات المعارضة، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني ويعمق من الأزمة الإنسانية.
5. تداعيات دولية وإقليمية
على المستوى الدولي، قد يؤدي تصاعد القمع في سوريا إلى مزيد من التوترات بين النظام والمجتمع الدولي. إن الدول التي تدعم حقوق الإنسان والديمقراطية قد تجد نفسها مضطرة لاتخاذ مواقف أكثر حدة ضد النظام السوري، مما قد يشمل فرض عقوبات إضافية أو حتى التفكير في تدخلات عسكرية محدودة. كما أن التصعيد قد يؤدي إلى مزيد من التوترات بين القوى الإقليمية، مثل إيران وروسيا الداعمتين للنظام، والدول الغربية وحلفائها في المنطقة.
أما على المستوى الإقليمي، فإن تصاعد القمع قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة، مثل تركيا ولبنان والأردن، التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين. إن زيادة الأعداد الهائلة من اللاجئين، بالإضافة إلى التصعيد المحتمل للنزاع، قد يؤدي إلى زيادة الضغوط الأمنية والاقتصادية على هذه الدول، مما يخلق أزمة إقليمية قد يصعب احتواؤها.
الخلاصة، إن تصاعد القمع والتصفيات في سوريا، في أعقاب التطبيع المحتمل بين تركيا والنظام السوري، يمثل تهديداً خطيراً ليس فقط للمعارضة السورية، بل للسلم والأمن الإقليميين والدوليين. إن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع السوري وزيادة التوترات بين القوى الدولية، مما يجعل من الصعب تحقيق أي حل سياسي مستدام. في ظل هذه الظروف، يجب على المجتمع الدولي أن يكون على أهبة الاستعداد للتعامل مع هذه التداعيات والعمل على حماية حقوق الإنسان ودعم جهود الحل السلمي للنزاع السوري.
رابعاً: مستقبل شرق الفرات
تعتبر منطقة شرق الفرات تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. هذه المنطقة تتمتع بقدر من الاستقلال الذاتي ولن تكون خاضعة بسهولة للنظام السوري. يمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى تعزيز النزعات الانفصالية بين المكونات المختلفة في المنطقة، بما في ذلك العرب، الكورد، الآشوريين، وغيرهم، مما يضعف وحدة البلاد.
تشكل منطقة شرق الفرات جزءاً أساسياً من الخارطة الجيوسياسية السورية المعقدة. تميزت هذه المنطقة منذ بداية النزاع السوري بوضع خاص، حيث أصبحت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي تحالف متعدد الأعراق يقوده الكورد ويحظى بدعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. مع استمرار النزاع وتعقد العلاقات الدولية والإقليمية، أصبح مستقبل هذه المنطقة محوراً للتكهنات والاهتمام.
1. الدور الاستراتيجي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)
قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تُعد من القوى الرئيسية التي تسيطر على منطقة شرق الفرات. هذه القوات، التي تتكون من الكورد والعرب والآشوريين وغيرهم، لعبت دوراً حاسماً في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مما أكسبها دعماً دولياً واسعاً، خصوصاً من الولايات المتحدة. بالرغم من ذلك، فإن قسد تواجه تحديات داخلية وخارجية متعددة تؤثر على استقرار المنطقة ومستقبلها.
2. الاستقلال الذاتي والنزعات الانفصالية
منذ السيطرة على هذه المنطقة، سعت قوات سوريا الديمقراطية إلى تأسيس إدارة ذاتية تتمتع بقدر من الاستقلالية عن الحكومة المركزية في دمشق. هذا الاستقلال الذاتي شمل إقامة مؤسسات حكم محلية وتطوير نظام قضائي وتعليمي خاص. ومع ذلك، فإن هذا الاستقلال الذاتي أوجد مخاوف من نزعات انفصالية، خصوصاً بين المكونات الكوردية التي تشكل جزءاً كبيراً من قسد.
الطموحات الكوردية لإقامة كيان مستقل أو شبه مستقل في سوريا تثير قلق النظام السوري ودول الجوار، خاصة تركيا التي تعتبر وجود كيان كوردي مستقل قرب حدودها تهديداً لأمنها القومي. ومع أن قادة قسد أكدوا مراراً أنهم لا يسعون إلى الانفصال الكامل، فإن التوترات العرقية والضغوط الخارجية قد تعزز من هذه النزعات الانفصالية.
3. العلاقات مع النظام السوري
إن مستقبل منطقة شرق الفرات مرتبط بشكل وثيق بالعلاقات بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري. بينما تسعى قسد إلى الحفاظ على مكاسبها السياسية والعسكرية، فإن النظام السوري يرى في استعادة السيطرة على هذه المنطقة خطوة ضرورية لاستعادة السيادة الكاملة على البلاد. مع ذلك، فإن الحوار بين الطرفين لم يصل بعد إلى توافق شامل حول مستقبل المنطقة، خاصة في ظل المطالب الكوردية بالحكم الذاتي والاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية دستورياً.
التوترات بين النظام وقسد قد تزداد مع تغير الديناميكيات الدولية والإقليمية، خصوصاً إذا قررت الولايات المتحدة تخفيض دعمها العسكري والمالي لقسد. في هذا السياق، قد يجد النظام السوري نفسه في وضع يسمح له بمحاولة استعادة السيطرة على شرق الفرات، مما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية جديدة.
4. التأثير الدولي والإقليمي
تلعب الولايات المتحدة دوراً محورياً في مستقبل شرق الفرات، حيث تُعتبر الداعم الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية. من خلال وجودها العسكري والمالي، تسعى واشنطن إلى تحقيق أهداف متعددة، بما في ذلك محاربة داعش واحتواء النفوذ الإيراني وضمان استقرار المنطقة. مع ذلك، فإن الاستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا عامة وشرق الفرات خاصة قد تتغير بناءً على التحولات السياسية في واشنطن والتطورات الدولية.
تركيا، من جانبها، تُعتبر من أكبر المعارضين لوجود قسد في شرق الفرات. تخشى أنقرة من تأثير وجود كيان كوردي على حدودها، قد يمتد إلى تشجيع النزعات الانفصالية وتحريك المسألة الكوردية في تركيا نفسها. بناءً على ذلك، شنت تركيا عدة عمليات عسكرية في الشمال السوري بهدف تقويض نفوذ قسد، وقد تستمر في هذه السياسة إذا لم تُضمن مصالحها الأمنية.
5. التحديات الداخلية
تواجه منطقة شرق الفرات تحديات داخلية متعددة تتعلق بالتوترات العرقية والسياسية والاقتصادية. رغم جهود قوات سوريا الديمقراطية لتأسيس إدارة شاملة، إلا أن التوترات بين المكونات المختلفة تبقى قائمة. العرب في المنطقة، الذين يُعتبرون المكون الأكبر بعد الكورد، لديهم تحفظات حول الهيمنة الكوردية على مؤسسات الحكم، مما قد يؤدي إلى نزاعات داخلية.
من الناحية الاقتصادية، تعاني المنطقة من تردي البنية التحتية ونقص الخدمات الأساسية، مما يزيد من التوترات الاجتماعية ويضعف قدرة الإدارة الذاتية على الحفاظ على الاستقرار. كما أن الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض من قبل النظام السوري ودول الجوار يعقد من إمكانية تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
الخلاصة، مستقبل شرق الفرات يظل غامضاً ومعقداً في ظل التوازنات الإقليمية والدولية المتغيرة. إن المنطقة تتمتع باستقلال ذاتي نسبي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ولكن هذا الوضع يظل هشاً في ظل الضغوط الخارجية من تركيا والنظام السوري، والتحديات الداخلية المتعلقة بالتوترات العرقية والسياسية. إن أي تغيير في الموقف الدولي، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة، قد يكون له تأثير كبير على مستقبل المنطقة. في نهاية المطاف، فإن تحقيق استقرار طويل الأمد في شرق الفرات يتطلب حلاً سياسياً شاملاً يشمل اعترافاً بالحقوق الثقافية والسياسية لجميع المكونات، وتفاهماً بين القوى الإقليمية والدولية حول مستقبل سوريا ككل.
خامساً: احتمال التقسيم الفعلي لسوريا
في ظل هذه التطورات، يبدو أن تقسيم سوريا إلى عدة أقاليم يصبح احتمالاً واقعياً. يمكن أن نرى التالي:
1- الإقليم الجنوبي: يشمل مناطق درعا والسويداء، والتي قد تسعى لتحقيق نوع من الحكم الذاتي أو الانفصال عن السلطة المركزية في دمشق.
2- إقليم الساحل: يشمل المناطق من الساحل السوري وصولاً إلى دمشق، والتي يمكن أن تظل تحت سيطرة النظام العلوي.
3- الإقليم الشمالي: يشمل مناطق إدلب والشمال السوري وحمص وحماه وحلب وغرب الفرات حتى دير الزور الجنوبي، والتي يمكن أن تطالب بإقامة دولة سنية مستقلة أو بحكم ذاتي.
4- إقليم شرق الفرات: يشمل المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، والتي قد تبقى خارج نطاق سيطرة النظام والمعارضة التقليدية.
مع استمرار النزاع السوري وتفاقم التوترات بين الأطراف المختلفة، بات احتمال تقسيم سوريا إلى عدة أقاليم أو كيانات شبه مستقلة سيناريو واقعي قد يتحقق في المستقبل. هذا التقسيم المحتمل يمكن أن ينبع من الفروقات العرقية والطائفية والسياسية التي تعمقت خلال سنوات الصراع، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية والمصالح الإقليمية والدولية المتباينة. نستعرض في هذا الجزء السيناريوهات المحتملة لتقسيم سوريا وفقاً للمناطق الجغرافية والطائفية والسياسية.
1. الإقليم الجنوبي: درعا والسويداء
يضم الإقليم الجنوبي المناطق الجنوبية من سوريا، بما في ذلك محافظات درعا والسويداء. تاريخياً، كانت هذه المناطق تتمتع بنوع من الاستقلالية النسبية والخصوصية الثقافية، خاصة السويداء التي تسكنها غالبية درزية. في ظل التطورات الحالية، قد يسعى سكان هذه المناطق لتحقيق نوع من الحكم الذاتي أو حتى الانفصال عن السلطة المركزية في دمشق.
السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، قد تسعى إلى تشكيل كيان منفصل أو منطقة حكم ذاتي، مستفيدة من علاقاتها الدولية والإقليمية المتميزة. درعا، التي كانت مهد الثورة السورية، قد تكون أقل رغبة في الانفصال الكامل ولكن قد تسعى لتحقيق درجة من الحكم الذاتي. هذه التحركات قد تكون مدفوعة بمخاوف من عودة النظام إلى هذه المناطق بيد من حديد، واستمرار الانتهاكات ضد السكان.
2. إقليم الساحل: المناطق العلوية ودمشق
إقليم الساحل يمتد من الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى العاصمة دمشق. هذا الإقليم يضم المناطق ذات الأغلبية العلوية، والتي تعد قاعدة دعم رئيسية للنظام السوري. في سيناريو التقسيم، من المحتمل أن يبقى هذا الإقليم تحت سيطرة النظام، نظراً لأن النظام وحلفاءه قد يفضلون تركيز قوتهم في مناطق تعتبر أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية والجيوسياسية.
قد تشمل هذه المناطق أيضاً محافظات اللاذقية وطرطوس وأجزاء من حماة وحمص، بالإضافة إلى العاصمة دمشق. هذا الإقليم قد يكون محصناً بشكل كبير بدعم من إيران وروسيا، الذين يرون فيه منطقة نفوذ حيوية تضمن لهم موطئ قدم في المنطقة. بقاء هذا الإقليم تحت سيطرة النظام يمكن أن يعزز من قدرة النظام على البقاء والتمسك بالسلطة، حتى في ظل تقاسم البلاد.
3. الإقليم الشمالي: إدلب والشمال السوري
الإقليم الشمالي يضم مناطق إدلب والشمال السوري، ويشمل محافظات حلب وحمص وحماه، بالإضافة إلى المناطق الواقعة غرب الفرات حتى دير الزور الجنوبي. هذه المنطقة تُعتبر معقلاً رئيسياً للمعارضة السورية المسلحة، وتحتوي على جماعات إسلامية متشددة مثل هيئة تحرير الشام. في ظل تراجع سيطرة النظام وضعف المعارضة المعتدلة، قد تسعى هذه المنطقة لتحقيق نوع من الحكم الذاتي أو حتى إقامة دولة سنية مستقلة.
إدلب تُعتبر آخر معقل كبير للمعارضة المسلحة، وغالبية سكانها من السنة، مما يعزز من احتمال تشكيل كيان سني مستقل. من المحتمل أن تكون تركيا داعماً رئيسياً لهذا الكيان، بالنظر إلى علاقاتها الوثيقة مع بعض الفصائل المسلحة واهتمامها بمنع تدفق اللاجئين إلى أراضيها. هذا السيناريو، مع ذلك، قد يواجه عقبات كبيرة، بما في ذلك المقاومة من قبل النظام وحلفائه، بالإضافة إلى التحفظات الدولية حول إقامة دولة جديدة في المنطقة.
4. إقليم شرق الفرات: المناطق تحت سيطرة قسد
إقليم شرق الفرات يضم المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهو تحالف عسكري يضم الكورد والعرب والآشوريين وغيرهم، بدعم من الولايات المتحدة والتحالف الدولي. هذه المنطقة تمتاز بقدر من الاستقلال الذاتي ولا تعترف بسلطة النظام المركزي في دمشق. بفضل الدعم الدولي والبنية العسكرية والتنظيمية القوية، قد تبقى هذه المنطقة خارج نطاق سيطرة النظام والمعارضة التقليدية.
في حال تحقق سيناريو التقسيم، قد تسعى قسد إلى تعزيز هذا الاستقلال الذاتي وتحقيق اعتراف دولي أوسع. تشمل هذه المنطقة أجزاءً كبيرة من محافظات الحسكة والرقة ودير الزور. رغم أن قسد تؤكد مراراً أنها لا تسعى للانفصال الكامل، إلا أن الضغوط الداخلية والخارجية، بما في ذلك الخلافات العرقية والطموحات الإقليمية، قد تدفع باتجاه تعزيز الحكم الذاتي أو حتى التفكير في إقامة كيان مستقل.
الخلاصة، احتمال تقسيم سوريا إلى عدة أقاليم أو كيانات شبه مستقلة ليس بعيداً عن الواقع في ظل الظروف الحالية. تتوزع هذه الأقاليم على أسس طائفية وعرقية وسياسية، مما يعكس التوترات والانقسامات العميقة التي خلقتها الحرب السورية. إن تحقيق هذا السيناريو قد يؤدي إلى تعميق الأزمات الإنسانية وزيادة تعقيد الوضع الإقليمي، حيث ستتنازع القوى الإقليمية والدولية على النفوذ والسيطرة.
يجب على المجتمع الدولي والقوى الإقليمية المعنية العمل على تحقيق تسوية سياسية شاملة تحفظ وحدة سوريا وتضمن حقوق جميع مكوناتها. استمرار الدعم العسكري والسياسي لجماعات معينة على حساب الأخرى سيؤدي فقط إلى مزيد من الانقسام والعنف، مما سيجعل من تحقيق السلام والاستقرار هدفاً بعيد المنال.
سادساً: المخاطر والتحديات
إن احتمال تقسيم سوريا يحمل في طياته مخاطر كبيرة، منها:
1- زيادة النزاعات المسلحة: حيث أن مختلف الأطراف ستسعى لتحقيق مصالحها وتأمين مناطق نفوذها.
2- التدخلات الخارجية: مع وجود مصالح متضاربة للقوى الإقليمية والدولية، يمكن أن يؤدي التقسيم إلى زيادة التدخلات الخارجية.
3- الأزمات الإنسانية: التقسيم يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية، مما يزيد من معاناة الشعب السوري.
احتمال تقسيم سوريا إلى عدة أقاليم أو كيانات مستقلة يثير مخاوف جدية ويخلق تحديات عديدة يمكن أن تؤدي إلى تعقيد الوضع أكثر. تقسيم البلاد على أساس عرقي وطائفي وسياسي يحمل في طياته مخاطر كبيرة تتعلق بالأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التداعيات الإنسانية والاقتصادية. نستعرض فيما يلي أهم المخاطر والتحديات التي يمكن أن تنجم عن تقسيم سوريا:
1. زيادة النزاعات المسلحة تقسيم سوريا
قد يؤدي إلى زيادة النزاعات المسلحة بين الأقاليم أو الكيانات الجديدة، حيث ستسعى كل جهة إلى تأمين مصالحها والسيطرة على الموارد والمناطق الاستراتيجية. يمكن أن تتصاعد هذه النزاعات إلى صراعات واسعة النطاق إذا شعرت الأطراف المختلفة بالتهديد على مصالحها أو إذا سعت إلى توسيع نطاق نفوذها.
على سبيل المثال، يمكن أن تتفاقم النزاعات بين الكيانات الكوردية والعربية في شرق الفرات، أو بين الفصائل المعارضة المختلفة في الشمال السوري. النظام السوري قد يسعى أيضاً إلى استعادة السيطرة على المناطق التي يراها ذات أهمية استراتيجية، مما قد يؤدي إلى تجدد القتال. في ظل غياب أي إطار سياسي مشترك أو تفاهم بين الأطراف المختلفة، فإن إمكانية تصاعد العنف تبقى قائمة.
2. التدخلات الخارجية
تقسيم سوريا سيجذب التدخلات الخارجية بشكل أكبر، حيث ستسعى القوى الإقليمية والدولية إلى دعم الأطراف المتحالفة معها لتحقيق مصالحها الجيوسياسية.
تركيا قد تسعى إلى دعم الفصائل المعارضة في الشمال السوري لمنع تشكيل كيان كوردي مستقل، بينما قد تسعى إيران وروسيا إلى دعم النظام السوري للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية. الولايات المتحدة والتحالف الدولي قد يستمرون في دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شرق الفرات لمنع أي توغل للنظام أو أي قوة أخرى، ولضمان عدم عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). هذه التدخلات ستزيد من تعقيد الوضع وقد تؤدي إلى صدامات غير مباشرة بين القوى الكبرى، مما يزيد من احتمال تصاعد الصراع.
3. الأزمات الإنسانية
تقسيم سوريا سيؤدي بشكل محتمل إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في البلاد. النزاعات المسلحة والتوترات الإقليمية قد تؤدي إلى تهجير عدد كبير من السكان، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الحيوية مثل المدارس والمستشفيات والطرق. الانقسامات الإدارية والسياسية قد تعرقل أيضاً جهود تقديم المساعدات الإنسانية والوصول إلى المحتاجين.
تفاقم الأزمات الاقتصادية سيكون أيضاً نتيجة طبيعية للتقسيم، حيث أن المناطق المختلفة قد تواجه صعوبات في تأمين الموارد الأساسية مثل الغذاء والماء والكهرباء. الاقتصاد المجزأ والمضطرب سيؤدي إلى زيادة البطالة والفقر، مما يزيد من معاناة الشعب السوري. الانقسامات الطائفية والعرقية قد تعزز من التمييز والعنف، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني.
4. تزايد التوترات الطائفية والعرقية
تقسيم سوريا على أسس طائفية وعرقية قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين المكونات المختلفة، مما يزيد من احتمالية حدوث اشتباكات وصراعات داخلية. هذه التوترات قد تتفاقم بسبب السياسات التمييزية أو القمعية التي قد تتبعها الحكومات المحلية أو الكيانات الجديدة ضد الأقليات أو الجماعات الأخرى.
النزاعات حول توزيع الموارد والسيطرة على الأراضي قد تعمق الانقسامات وتزيد من التوترات الاجتماعية. يمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى حالة من عدم الاستقرار المستمر، مما يجعل من الصعب تحقيق أي نوع من التسوية السلمية أو الاستقرار الدائم.
5. فقدان الهوية الوطنية والوحدة
تقسيم سوريا إلى عدة أقاليم قد يؤدي إلى فقدان الهوية الوطنية المشتركة والشعور بالوحدة بين الشعب السوري. هذا التفكك يمكن أن يعزز من الهويات المحلية والعرقية والطائفية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، مما يؤدي إلى تآكل الروابط الاجتماعية والوطنية.
الشعور بالانتماء إلى وطن واحد يمكن أن يتلاشى، مما يزيد من عزلة المناطق المختلفة ويجعل من الصعب تحقيق أي نوع من التفاهم أو التعاون بين الأطراف المختلفة. فقدان الهوية الوطنية يمكن أن يكون له آثار طويلة الأمد على المجتمع السوري، مما يصعب من عملية إعادة بناء البلاد وتحقيق المصالحة الوطنية.
الخلاصة، تقسيم سوريا إلى أقاليم مستقلة أو شبه مستقلة يحمل مخاطر وتحديات كبيرة قد تؤدي إلى تعميق الأزمات الإنسانية والسياسية والأمنية في البلاد. زيادة النزاعات المسلحة، التدخلات الخارجية، تفاقم الأزمات الإنسانية، تصاعد التوترات الطائفية والعرقية، وفقدان الهوية الوطنية هي بعض من التحديات التي يمكن أن تنشأ في حال تحقق هذا السيناريو.
يتطلب تجاوز هذه المخاطر والتحديات تضافر الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق حل سياسي شامل يحافظ على وحدة سوريا ويضمن حقوق جميع مكوناتها ضمن النظام الفيدرالي. بدون تحقيق هذا الحل، فإن احتمال استمرار النزاعات والانقسامات يبقى قائماً، مما يعرض مستقبل سوريا وشعبها لمزيد من المعاناة وعدم الاستقرار.
سابعاً: الخاتمة
إن التطبيع بين النظامين التركي والسوري يحمل في طياته تحولاً جذرياً في المشهد السياسي والعسكري في سوريا، وقد يكون له آثار بعيدة المدى على استقرار البلاد ومستقبلها. هذا التطبيع، إذا ما تُرجم إلى خطوات فعلية، يمكن أن يفضي إلى تحولات معقدة قد تعيد تشكيل خريطة الصراع في المنطقة، وتعيد النظر في التوازنات الحالية بين الأطراف المتصارعة.
1. تسليم المعارضة والنزاع المتصاعد
في حال اعتبر هذا التطبيع بمثابة تسليم المعارضة للنظام السوري، فإن ذلك سيؤدي بلا شك إلى تصعيد العنف وإمكانية إشعال ثورة جديدة. المعارضة السورية، التي شعرت بالخذلان من قبل حليف رئيسي مثل تركيا، قد تستجيب بخطوات تصعيدية تضمن زيادة التوترات وتوسيع نطاق النزاع. مشاعر الإحباط والغضب من هذا التحول قد تقود إلى تجدد الاحتجاجات والصراعات، ولكن هذه المرة قد تكون أكثر دموية وانتقامية. تكرار سيناريوهات العنف قد يعمق من معاناة المدنيين ويزيد من تعقيد جهود المجتمع الدولي لاحتواء الصراع.
2. احتمال تقسيم سوريا وتحدياته
الاحتمالات المرتبطة بتقسيم سوريا إلى عدة أقاليم تبقى في صميم النقاش حول المستقبل السياسي للبلاد. هذا التقسيم، إذا تحقق، قد يكون نتيجة مباشرة للتوترات الطائفية والعرقية والسياسية التي تفاقمت خلال سنوات الحرب. مع وجود مناطق متعددة تشهد صراعات محتملة على النفوذ والموارد، ستواجه سوريا تحديات كبيرة في محاولة الحفاظ على وحدتها الوطنية. هذا الوضع يتطلب معالجات دقيقة ومبادرات سياسية تهدف إلى بناء توافق بين الأطراف المختلفة وتعزيز الاستقرار.
تحديد الأقاليم المختلفة قد يؤدي إلى مشكلات معقدة تتعلق بالحدود، وتوزيع الموارد، وتنسيق السياسات الأمنية والاقتصادية. التحديات في إدارة هذه الأقاليم بشكل فعال ستكون هائلة، وستتطلب تعاوناً وثيقاً بين القوى المحلية والدولية لتجنب النزاعات بين الأقاليم والحفاظ على الحد الأدنى من التنسيق بين المناطق المتنوعة.
3. الحاجة إلى تحرك دبلوماسي حاسم
في ضوء هذه التطورات، يتطلب الوضع الحالي تحركاً دبلوماسياً حكيماً وتنسيقاً دولياً فعالاً لتجنب المزيد من التصعيد وضمان مستقبل مستقر وآمن لسوريا. المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، يجب أن يلعب دوراً نشطاً في دعم عملية السلام والتفاوض. على الدبلوماسيين وصناع القرار العمل على تعزيز الحوار بين الأطراف السورية المتنازعة وتقديم الدعم للجهود الرامية إلى تحقيق تسوية شاملة.
بجانب ذلك، يجب أن تسعى الأطراف الدولية إلى تقديم الدعم الإنساني والاقتصادي اللازم للمنطقة، والتركيز على معالجة الأزمات الإنسانية الناجمة عن النزاع. دعم المبادرات التي تعزز من حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية قد يساعد في تخفيف الضغوط على السكان المحليين ويعزز من فرص تحقيق استقرار طويل الأمد.
4. أهمية الحفاظ على وحدة سوريا
أحد الأهداف الرئيسية يجب أن يكون الحفاظ على وحدة سوريا وتعزيز الروابط الوطنية بين مختلف مكوناتها. التفكك الوطني لا يؤدي فقط إلى زيادة التوترات الداخلية بل يمكن أن يكون له تداعيات إقليمية ودولية واسعة. يجب أن تركز الجهود السياسية على تحقيق توافق بين الأقاليم المختلفة وتعزيز الهوية الوطنية المشتركة، بما يضمن تحقيق مصالح جميع الأطراف ويحافظ على استقرار البلاد.
الخلاصة، إن التحولات السياسية والعسكرية الناتجة عن تطبيع العلاقات بين النظامين التركي والسوري تعكس مستوى التعقيد والتحديات التي تواجهها سوريا في الوقت الراهن. هذا الوضع يتطلب استجابة دبلوماسية مدروسة وتنسيقاً دولياً فعالاً لضمان استقرار سوريا والحفاظ على وحدة أراضيها. في ظل المخاطر والتحديات الحالية، يجب أن تكون الأولوية للمجتمع الدولي هي دعم جهود السلام، وتعزيز الاستقرار، والتعامل بمرونة مع التطورات المستجدة لضمان مستقبل أفضل للشعب السوري.
هناك سيناريوهات أخرى....
يتبع................