سوريا بين تشابك المصالح وخطر التقسيم: واقع معقد ومستقبل غامض
بقلم: د. عدنان بوزان
يتسم الوضع الحالي في سوريا بتشابك معقد بين قوى داخلية وخارجية، حيث تتقاطع المصالح السياسية والعسكرية مع المعاناة اليومية للشعب. في الظاهر، تبدو الأمور وكأنها تتحرك نحو استقرار هش، لكن خلف الكواليس هناك تحركات متضاربة تشير إلى صراع مستتر على النفوذ. الأطراف الفاعلة، سواء كانت دولاً أو جماعات مسلحة، لا تزال تتعامل مع سوريا كرقعة شطرنج لتحقيق مكاسبها، متجاهلةً التبعات الإنسانية الكارثية.
هذا التشابك السياسي والأمني أفرز واقعاً يحمل ملامح تقسيم غير معلن، حيث أصبحت الجغرافيا السورية عملياً مقسمة بين قوى إقليمية ودولية، كل منها تفرض نفوذها على مناطق محددة تحت ذرائع مختلفة. ففي الشمال والشمال الشرقي، تتحكم قوى تسعى لفرض مشاريع فدرالية أو ذات طابع عرقي، بينما تخضع مناطق الوسط والجنوب لسلطات تتفاوت في ولاءاتها بين قوى إقليمية ودولية. أما الغرب، فهو ساحة نفوذ تقليدية لجهات خارجية ترى في الساحل بوابة استراتيجية.
في الوقت نفسه، يعيش المجتمع السوري حالة من الترقب والانتظار، متأرجحاً بين الأمل بغد أفضل والخوف من استمرار الوضع الراهن أو تفاقمه. المشاريع السياسية المطروحة غالباً ما تبشر بحلول سلمية، لكنها تبقى في الغالب مجرد أطر نظرية لا تتصل بالواقع المعاش، الذي تحكمه توازنات أمنية واقتصادية دقيقة. ومع استمرار غياب توافق وطني شامل، قد تتحول خطوط الفصل الجغرافية والسياسية المفروضة إلى حدود دائمة، تعبر عن إرادات إقليمية ودولية تسعى لتثبيت مصالحها.
هذا الواقع يضع سوريا أمام مفترق طرق حاسم: هل يمكن للخريطة السياسية الراهنة أن تُنتج نظاماً جديداً يحقق العدالة والمساواة ويحافظ على وحدة البلاد؟ أم أنَّ الواقع الحالي يؤسس لصيغة جديدة تُعيد تشكيل هوية سوريا وتُكرِّس تقسيمها كأمر واقع؟ في ظل غموض المستقبل، يبقى السؤال مفتوحاً، والإجابة مرهونة بالتحولات السياسية والأحداث التي تفرضها معادلات القوى على الأرض.
إذاً، خلال ستين يوماً، ستتضح الخارطة السياسية بشكل جلي، إما عبر تكريس واقع التقسيم كأمر لا مفر منه، أو بظهور نظام ديمقراطي حقيقي يضمن وحدة البلاد ويعيد تشكيل أسس الحكم على قواعد العدالة والمساواة.
هذا الإطار الزمني الحاسم قد يحمل في طياته مفاجآت سياسية وأمنية، حيث تتسارع التحركات الدولية والإقليمية لضمان تثبيت مكاسبها أو لإعادة صياغة المعادلة بما يخدم مصالحها. وفي حال ترسخ التقسيم، قد تدخل سوريا في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، تتحول فيها خطوط الفصل الحالية إلى حدود دائمة، تُعمق الانقسام الاجتماعي والسياسي، وتُضعف فرص استعادة وحدة الدولة على المدى البعيد.
أما إذا أفضت التحركات إلى توافق على نظام ديمقراطي حقيقي، فسيكون ذلك إنجازاً استثنائياً، ولكنه لن يتحقق إلا عبر تنازلات شجاعة من جميع الأطراف، إضافة إلى ضمانات دولية وإقليمية تدعم نجاح هذا التحول. ومع ذلك، يظل العامل الداخلي، متمثلاً في إرادة الشعب السوري وقواه الحية، المحرك الأساسي الذي قد يُغير مسار الأحداث ويدفع نحو خيار أكثر عدلاً واستدامة.
الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد الوجهة النهائية لهذه المرحلة المفصلية. فهل ستشهد سوريا فصلاً جديداً من الوحدة والتغيير الإيجابي، أم أن خارطتها الجديدة ستكرّس واقعاً مأزوماً لعقود قادمة؟