مسارات الديمقراطية والمسؤولية القومية: بين الحرية والالتزام بالقضية الكوردية
- Super User
- مقالات سياسية
- الزيارات: 1272
بقلم: د. عدنان بوزان
الديمقراطية ليست مجرد آلية حكم قائمة على الانتخابات والتعددية السياسية، بل هي منظومة متكاملة من الحقوق والواجبات التي تفرض على الأفراد والجماعات التزامات أخلاقية وقانونية تجاه قضاياهم المصيرية. في السياق الكوردي، حيث تتداخل النضالات القومية مع التحولات الديمقراطية، تبرز إشكالية رئيسية: كيف يمكن تحقيق ديمقراطية فعلية دون التفريط بالحقوق القومية الأساسية؟ وهل تعني الديمقراطية حرية التصرف بلا قيود حتى لو كان ذلك على حساب القضية الكوردية؟
- الديمقراطية: بين الحرية والمسؤولية
ترتكز الديمقراطية على ثلاثة مبادئ رئيسية: الحرية، والمساواة، والمشاركة السياسية. لكن هذه القيم لا تعني الفوضى أو الانسلاخ عن المسؤوليات الجماعية. فالحرية السياسية، وهي إحدى ركائز الديمقراطية، ليست تفويضاً مطلقاً للفرد أو الحزب ليتصرف كيفما يشاء، بل يجب أن تكون مشروطة بعدم الإضرار بالمصالح القومية والمصيرية لشعبه.
في الحالة الكوردية، حيث لم تُحل القضية القومية بعد في أجزاء كبيرة من كوردستان، فإن تحقيق الديمقراطية يتطلب وعياً سياسياً عميقاً من الأفراد والجماعات. فلا يمكن اعتبار الديمقراطية ذريعة لمنح حرية غير محدودة في اتخاذ قرارات سياسية دون خطوط حمراء تحمي الحقوق التاريخية والمطالب المشروعة للشعب الكوردية.
- المسؤولية القومية في ظل الديمقراطية
تفرض الديمقراطية على الشعوب التي تناضل من أجل حقوقها الوطنية مسؤوليات خاصة، إذ لا يمكن السماح للفوضى السياسية أو المصالح الضيقة بإضعاف الموقف القومي المشترك. ويمكن تلخيص المسؤولية القومية في ظل الديمقراطية في النقاط التالية:
1- تقديم المصلحة القومية على المصالح الفردية والحزبية:
• لا يمكن لأي فرد أو حزب أن يتصرف بحرية مطلقة إذا كانت قراراته تضر بالمشروع القومي الكوردي. الديمقراطية لا تعني السماح باتخاذ مواقف تساهم في إضعاف القضية، سواء عبر تحالفات غير مسؤولة أو تقديم تنازلات غير مبررة.
2- الالتزام بالخطوط الحمراء الوطنية:
• تحتاج كل ديمقراطية إلى قواعد ناظمة تمنع الانحراف عن المسار القومي. فعلى سبيل المثال، لا يجوز تبرير التحالف مع أنظمة أو جهات تعادي الحقوق الكوردية بحجة تحقيق مكاسب سياسية آنية. فالحرية السياسية يجب أن تكون ضمن إطار يحمي القضية الكوردية لا أن يهدمها.
3- رفض استغلال الديمقراطية لتحقيق مكاسب ضيقة:
• في بعض الأحيان، تُستخدم الديمقراطية كذريعة لتبرير الانقسامات السياسية أو اتخاذ قرارات تخدم أجندات خارجية. الديمقراطية ليست غطاءً للمصالح الضيقة، بل يجب أن تكون أداة لترسيخ موقف قومي موحد.
4- التوازن بين الديمقراطية والهوية القومية:
• لا يمكن بناء ديمقراطية حقيقية دون الاعتراف بالهوية القومية الكوردية وضمان حقوق الشعب الكوردي في تقرير مصيره. فالديمقراطية، في أي مجتمع، يجب أن تكون وسيلة لتحرير الشعوب، لا لقمعها أو فرض سياسات تهدف إلى تذويب هويتها.
- تجارب الديمقراطية في الواقع الكوردي
على مر التاريخ الحديث، كانت هناك محاولات كوردية لبناء نماذج ديمقراطية، لكنها غالباً ما اصطدمت بتحديات داخلية وخارجية. ففي إقليم كوردستان العراق، على سبيل المثال، ساهمت الديمقراطية في ترسيخ تجربة الحكم الذاتي، لكنها لم تمنع بروز خلافات داخلية أثرت سلباً على الوضع القومي العام. أما في روجآفا (شمال شرق سوريا)، فقد نجحت الإدارة الذاتية في تأسيس نموذج ديمقراطي، لكنه يواجه تحديات سياسية إقليمية كبيرة.
تعكس هذه التجارب حقيقة مهمة: الديمقراطية وحدها ليست كافية لتحقيق تطلعات الشعب الكوردي، بل يجب أن تكون مقرونة بوحدة الصف السياسي ورؤية استراتيجية واضحة تحمي المصالح القومية.
خاتمة: الديمقراطية كأداة للنضال القومي
الديمقراطية ليست رفاهية سياسية، بل مسؤولية قومية تتطلب الالتزام بقواعد تحمي المصالح العليا للشعب الكوردي. فالحرية السياسية لا تعني التخلي عن الثوابت القومية، بل يجب أن تكون في خدمة المشروع الوطني. على الكورد إدراك أن النضال الديمقراطي والقومي متلازمان، وأن أي انفصال بينهما قد يؤدي إلى نتائج كارثية. ولذلك، يجب أن تكون الديمقراطية الكوردية مساراً مدروساً يُبنى على وعي سياسي عميق يضع المصلحة القومية فوق كل الاعتبارات الأخرى.