القضية الكوردية في سوريا: جدلية المصطلحات وجوهر المشكلة السياسية
- Super User
- مقالات سياسية
- الزيارات: 1400
بقلم: د. عدنان بوزان
تُعَدّ القضية الكوردية في سوريا واحدة من أكثر القضايا تعقيداً وحساسية في المشهد السياسي السوري، حيث تمتد جذورها عميقاً في التاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة. فهي ليست مجرد قضية حقوق فردية أو مساواة قانونية، بل هي قضية شعب يعيش على أرضه التاريخية، ويطالب بالاعتراف بهويته القومية وحقوقه السياسية والثقافية التي تم تهميشها على مدار عقود. منذ تأسيس الدولة السورية الحديثة، واجه الكورد في سوريا سياسات ممنهجة من التهميش والإقصاء، بدءاً من نزع الجنسية عن عشرات الآلاف منهم في ستينيات القرن الماضي، وصولاً إلى سياسات التغيير الديمغرافي التي استهدفت مناطقهم، فضلاً عن التضييق على اللغة والثقافة الكوردية.
غير أن ثمة التباساً كبيراً في المصطلحات المستخدمة عند تناول هذه القضية، إذ يحاول البعض اختزالها في إطار حقوق المواطنة المتساوية، متجاهلين أن القضية الكوردية تتجاوز هذا الإطار إلى بُعدها السياسي الأعمق، حيث ترتبط بمسألة الأرض والشعب والهوية القومية، وبحق الكورد في تقرير مصيرهم ضمن دولة تضمن العدالة والتعددية. وبينما يصر الخطاب الرسمي السوري الجديد وبعض أطراف المعارضة على التعامل معها كقضية اندماج ضمن الدولة المركزية، يرى الكورد أنها قضية وطنية وقومية تستدعي حلولاً سياسية عادلة تعترف بخصوصيتهم كشعب أصيل له حقه في ممارسة هويته بحرية.
أولاً: الفرق بين الحقوق المدنية والقضية السياسية:
يحاجج البعض بأن الكورد في سوريا، شأنهم شأن باقي المكونات، يسعون فقط للحصول على حقوق المواطنة المتساوية ضمن الدولة السورية. لكن هذه الرؤية تختزل المشكلة وتفرغها من مضمونها الحقيقي، إذ إن القضية الكوردية لا تقتصر على المطالبة بالحقوق المدنية أو الثقافية فقط، بل تمتد إلى المطالبة بالاعتراف بالهوية القومية الكوردية، والاعتراف بالظلم التاريخي الذي تعرض له الكورد في سوريا، وإيجاد حل سياسي يضمن حقوقهم القومية والوطنية.
ففي حين تتمحور مطالب باقي المكونات السورية، مثل المسيحيين أو الإسماعيليين أو الشركس أو السريان والآشوريين والعلويين والدروز، حول ضمان المساواة في الحقوق ضمن الإطار القانوني للدولة، يطرح الكورد قضيتهم باعتبارها قضية شعب يعيش على أرضه التاريخية التي تم تهميشها وإقصاؤها ضمن الدولة السورية الحديثة، مما يجعل قضيتهم ذات طبيعة مختلفة تماماً عن مجرد مسألة اندماج في إطار دولة مركزية موحدة.
ثانياً: الكورد في سوريا.. شعب له خصوصيته التاريخية والجغرافية:
يعيش الكورد في سوريا ضمن مناطق تاريخية تُعرف باسم "كوردستان الغربية" أو "روج آفا"، والتي تمتد على طول الشمال السوري، من عين ديوار في الشرق إلى عفرين في الغرب. هذه المناطق ليست مجرد تجمعات بشرية متناثرة، بل هي موطن تاريخي للشعب الكوردي منذ قرون. ومع ذلك، تعرض الكورد في سوريا، منذ تأسيس الدولة الحديثة، لسياسات التهميش والإقصاء، بدءاً من مشروع الحزام العربي في الستينيات، الذي هدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية لمناطقهم، مروراً بالحرمان من الجنسية لآلاف الكورد، وصولاً إلى السياسات الأمنية التي كانت تهدف إلى منع أي تعبير سياسي عن الهوية الكوردية.
كل هذه الإجراءات تؤكد أن القضية الكوردية ليست مجرد قضية مواطنة أو مساواة قانونية، بل هي قضية تتعلق بحق شعب في تقرير مصيره والاعتراف بهويته القومية.
ثالثاً: القضية الكوردية ضمن الحل السياسي في سوريا: في ظل الصراع السوري المستمر، برزت القضية الكوردية كعامل أساسي في أي حل سياسي مستقبلي للبلاد. ورغم أن القوى الكوردية، وخصوصاً الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، طرحت رؤية قائمة على الفيدرالية واللامركزية، فإن النظام السوري الجديد وبعض أطراف المعارضة ما زالوا ينظرون إلى هذه المطالب باعتبارها تهديداً لوحدة البلاد، دون تقديم أي بدائل واقعية تعترف بالحقوق الكوردية المشروعة.
إن الحل العادل للقضية الكوردية في سوريا لا يمكن أن يكون من خلال استمرار سياسات الإقصاء أو تجاهل الطابع السياسي لها، بل يتطلب اعترافاً رسمياً بوجود الشعب الكوردي في سوريا دستورياً، ومنحه حقوقه القومية والثقافية والإدارية ضمن إطار سياسي عادل يضمن التعددية وحقوق جميع المكونات السورية.
في الختام، إن النقاش حول المصطلحات المتعلقة بالقضية الكوردية ليس مجرد جدل لغوي، بل يعكس صراعاً سياسياً حول الاعتراف بحقوق الكورد. فبينما يسعى البعض إلى تصويرها كقضية حقوق فردية ضمن إطار الدولة السورية، يصر الكورد على أنها قضية سياسية تتعلق بحق تقرير المصير والاعتراف بهم كشعب له تاريخه وأرضه وثقافته. لذا، فإن أي حل مستقبلي لسوريا يجب أن يكون قائماً على العدالة والاعتراف المتبادل، بعيداً عن سياسات الإنكار والتهميش.