طريق الدم إلى الجنة: وهم بلا جواز ولا فيزا
بقلم: د. عدنان بوزان
في عالم يسوده الصخب والاضطراب، حيث تتداخل المفاهيم وتتضارب العقائد، يبرز الإرهاب كموجة عاتية لا تُفرق بين الصالح والطالح، بل تغرق الجميع في دوامة من العنف والدماء. يتمرد الإرهاب باسم الدين، يشوه معانيه السامية ويقلب القيم النبيلة، ليرسم طريقاً نحو الجنة ليس بحاجة إلى فيزا أو جواز سفر، حسب ما يُلقن لهؤلاء الإرهابيين. إنها جنة وهمية، تُبنى على أشلاء الأبرياء.
ولكن السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا: كيف يصل الإرهاب إلى هذه النقطة؟ كيف يتجاوز إنسانٌ كل معاني الرحمة والتعايش، ليرى في القتل وسفك الدماء طريقاً إلى السماء؟ هذا ليس مجرد انعكاس للألم الذي يعانيه العالم اليوم، بل هو محاولة للغوص في أعماق عقلية الإرهابي التي تُستخدم لإضفاء شرعية دينية على العنف.
إن الفهم الخاطئ للنصوص الدينية، والاستغلال السافر للعقول الشابة والضعيفة، يلعبان دوراً محورياً في صناعة هذا النموذج المظلم. يتم تشكيل هؤلاء الإرهابيين كما يُشكّل الطين، في أيدي مُنظّرين ورجال دين يدعون إلى الحقد والعنف، يقنعونهم بأن الجنة هي ثوابهم إن هم قتلوا باسم الله. هنا، يصبح الجواز ليس قطعة ورق، بل وعدٌ بالحياة الأبدية، وتُصبح الحدود ليست تلك التي تفصل بين الدول، بل تلك التي تفصل بين الموت والحياة.
في عقولهم، تُصبح التفجيرات والقتل والانتحار أدوات لتحرير الروح من هذا العالم الفاني والدخول إلى الجنة الموعودة. لكن ما يغيب عنهم هو أن هذا الطريق، المفروش بالدماء، لا يؤدي إلى الجنة. بل يؤدي إلى مزيد من الفوضى والمعاناة، سواء في هذا العالم أو في العالم الآخر. الجنة ليست مكاناً يُدخله المرء بقتل الأبرياء أو تدمير المجتمعات، إنها وعدٌ للسلام الداخلي والنقاء الروحي، وهو ما يُناقض تماماً ما يفعله هؤلاء الإرهابيون.
لا حاجة إلى فيزا ولا جواز سفر، ولكن الثمن الحقيقي الذي يدفعه الإرهابيون هو إنسانيتهم. إنهم يمحون إنسانيتهم بيدهم، يتخلون عن الأخلاق والرحمة التي يُفترض أن تكون جوهر أي عقيدة دينية، ويصبحون آلات للدمار. كلما اعتقدوا أنهم يقتربون من الجنة، يبتعدون عنها أكثر. الجنة ليست مكاناً يختبئ خلف العنف. الجنة هي السلام، وهي التعايش، وهي الحب الذي نُزعت عن قلوبهم.
وعندما يُحاكم هؤلاء أمام ضمائرهم، أيعقل أن يجدوا أي تبرير؟ هل سيرون في أعين ضحاياهم مفتاحاً للجنة؟ أم سيرون في تلك اللحظة مرآة لذواتهم الحقيقية، التي فقدت كل نورها الإنساني؟ الجواب واضح، ولكن الغشاوة التي على عيونهم تجعلهم يرفضون رؤية الحقيقة.
الإرهاب ليس مشكلة عابرة ولا ظاهرة طارئة، بل هو تجسيد للضياع الروحي والفكري. إنه محاولة بائسة للهروب من مشاعر الفشل والعجز والبحث عن هوية ومعنى في عالم مُتشابك ومُعقد. ولكن بدلاً من أن يجد هؤلاء الإرهابيون الحل في العمل والاجتهاد والتفكير السليم، يتم جذبهم إلى العنف كطريق مختصر للجنة.