طيبتك ليست كتاباً مفتوحاً

بقلم: د. عدنان بوزان

في عالمٍ يتأرجح بين النوايا الغامضة والأقنعة المزيفة، تصبح الطيبة قيمة نادرة، وكأنها زهرة وسط صحراء قاحلة. إن امتلاكك للطيبة لا يعني بالضرورة أن تجعلها كتاباً مفتوحاً يتصفحه الجميع، ينهل منه من يشاء ويتركه منهكاً بعد أن استنزف كل ما فيه من جمال. فهناك أناس في هذا العالم، بأرواحهم المظلمة وعقولهم المحدودة، لا يستحقون حتى أن يلقوا نظرة على سطرٍ واحد من هذا الكتاب الثمين الذي هو قلبك.

طيبتك ليست مجرد صفة؛ إنها جوهر كيانك، هي التربة التي تنبت منها كل فضائلك، كل حبك، كل عطائك. ولكن للأسف، في هذا العالم، هناك من يتلذذ باستغلال تلك الطيبة. هؤلاء الأفراد ينظرون إلى الطيبة على أنها ضعف، يرون فيها فرصة للسيطرة، للانتفاع، أو ربما حتى للتدمير. كم من شخصٍ فتح قلبه وعقله بطيبته، فكان الثمن خيانةً أو استغلالاً؟

إنهم يتصفحون طيبتك كما لو كانت كتاباً في مكتبة عامة، يفتحون الصفحات بلا اهتمام ولا تقدير، يمزقون بعض الصفحات، ويتركون بصمات قذرة على بعضها الآخر. يظنون أن الطيبة هي سلعة مجانية، لا يدركون أنها كنز ثمين يستحق العناية والاحترام. ولكن الحقيقة هي أنك المسؤول عن حماية هذا الكنز. الطيبة ليست دعوة مفتوحة للجميع، بل هي هدية يجب أن تُمنح فقط لمن يعرف قيمتها ويقدرها.

في فلسفة الحياة، لا يتعلق الأمر فقط بالعطاء اللامحدود؛ بل بالتوازن بين العطاء والحفاظ على الذات. هناك قلوب تستحق أن تتلقى من طيبتك، وقلوب أخرى لا تستحق حتى حرفاً. فبعض الناس، رغم كل لطفك ورغم كل جهودك، لا يرون فيك سوى فرصة لمصلحتهم. هؤلاء الأشخاص لا يستحقون مكاناً في حياتك، ولا سطراً في كتاب طيبتك.

الحكمة في الحياة تكمن في معرفة متى تُفتح صفحاتك ومتى تُغلق. الطيبة ليست سذاجة، بل هي فنٌ دقيق من الفهم والتمييز. في لحظات من الحياة، ستحتاج إلى أن تحمي نفسك من هؤلاء الذين يرون في طيبتك ضعفاً، وليس قوة. ستحتاج إلى أن تتعلم كيف تضع حدوداً واضحة، لأن قلبك ليس كتاباً ليُتَصفَّح بيد كل مارٍ، بل هو رواية عميقة لا يجب أن تُقرأ إلا من قبل أولئك الذين يعرفون قيمة كل كلمة وحرف.

وهنا، تأتي قوة الطيبة الحقيقية: هي ليست في أن تعطي كل شيء للجميع، بل في أن تعرف متى تُعطي ومتى تحجم، متى تكون لطيفاً ومتى تكون حازماً. الطيبة لا تعني السماح لأي شخص باقتحام مساحتك الخاصة أو العبث بقيمك. بل هي القدرة على التحلي باللطف دون السماح للآخرين باستغلالك.

لا تجعل من طيبتك كتاباً يتصفحه الجميع، لأن الطيبة، حين تُعطى بلا حساب، تُفقد قيمتها. تذكر أن الطيبة هي انعكاس لنقاء روحك، وهي ثمرة نضجك وتجاربك، لا تستحق أن تُمنح إلا لأولئك الذين يقدرونها، الذين يرون فيك الإنسان وليس مجرد وسيلة.

في النهاية، العالم مليء بأناس يستحقون أن يتنعموا بنور طيبتك، لكن في المقابل، هناك من لا يستحقون حتى النظر في اتجاهك. أنت تستحق الأفضل، فلا تجعل من نفسك ساحةً مفتوحة لمن هب ودب. كن كالبحر، عميقاً وغامضاً، لا يكشف أسراره إلا لمن يستحق الغوص فيه.

في لحظاتٍ ما، ستدرك أن الحفاظ على طيبتك من الاستنزاف ليس أنانية، بل هو احترام لذاتك، لصحتك النفسية، وللذين يحبونك حقاً. فلا تتردد في إغلاق الكتاب أمام من لا يقدره، وافتحه فقط أمام من يفهم جمال كلماته وحكمة معانيه.

X

تحذير

لا يمكن النسخ!