ضمير يتوقد: صرخة الحق في مواجهة الباطل
بقلم: د. عدنان بوزان
نعم، أيتها الحياة، لنا رأي آخر ولنا أقوال أخرى، لا تشبه ما كان قبلكِ ولا ما سيأتي بعدكِ. لنا كيان مستيقظ لا يهدأ أمام كل منعطف قد يُلقي بنا إلى هاوية اللايقين، ولنا عزيمة تشتعل في كل مواجهة مع باطل يحاول أن يغرقنا في ظلامه. لقد باتت الحياة في زمننا هذا ساحة حرب فكرية قبل أن تكون ميدان معركة فعلية، وليس بيننا وبين الفشل أو الهزيمة سوى وعينا اليقظ الذي لا يعرف الخنوع ولا الاستسلام.
في زمننا هذا، لم نعد نتحدث عن الثورات كما عهدتها الأجيال السابقة؛ ثورتنا اليوم هي ثورة ضمير. ضمير ينهض من سباته، يكسر قيود صمته، ويتوجه صوب الحق بلا مواربة. ليست القوة في السلاح، إنما في الكلمة الحق، في الفكرة النقية التي لا يشوبها وهم أو خرافة. كل كلمة نقولها الآن، وكل موقف نلتزم به، هو تعبير صارخ عن رفضنا للبقاء تحت وطأة أكاذيب التاريخ أو استبداد الواقع. لا نبحث عن التصادم من أجل التصادم، لكننا نتمسك بالثبات عندما تمس الأمور جوهر وجودنا وقيمنا.
إننا نعرف أن الحياة ليست سلسلة من النجاحات أو الانتصارات، بل هي مسيرة من التحديات، من المواقف التي تفرض علينا اختبار صلابتنا أمام مغريات اليأس والاستسلام. كل منعطف غير آمن يواجهنا هو فرصة جديدة لتأكيد أن إرادتنا الصلبة لا تُقهر. إننا نواجه الحياة بوعي حقيقي، وعي يرفض أن يكون أسير الأوهام أو رهينة لأحلام غير واقعية. الواقعية، نعم، ولكن ليست تلك التي تستسلم لقسوة العالم دون مقاومة، بل الواقعية التي ترى العالم كما هو، وتعي عمق التحديات، ومع ذلك تواصل السير نحو أهدافها بثقة ووعي.
لقد بات من الضروري أن نفهم أن الحياة في حقيقتها ليست مجرد صراع بين قوتين ماديتين، بل هي في جوهرها نضال دائم بين الحق والباطل، بين العدل والظلم. وعندما نتحدث عن ثورة، فإننا لا نتحدث عن إسقاط نظام أو تغيير سلطة فحسب؛ إنما هي ثورة الضمائر التي ترفض أن تنحني أمام الظلم. الضمائر التي تشتعل فينا وتزأر كما تزأر الأسود على كل ظلم، تضرب بقوة كل باطل، وتدعو كل عقلاء العالم للتفكر والتمعن.
عندما تتوقد الضمائر وتشتعل، فإن الأمر لا يتعلق فقط بالوطن، بل بكل فرد، بكل ذرة من الوجود الإنساني الذي يتوق للحرية والكرامة. لا تنفصل حرية الفرد عن حرية الوطن، فالوطن هو البيت الكبير، الذي يحمل في طياته قيمنا ومبادئنا وأحلامنا المشتركة. وعندما نرى الوطن يئن تحت وطأة الظلم والفساد، فإن علينا جميعاً أن نكون تلك الأصوات الرافضة، التي تتحدى الباطل بكل الحجج الساطعة، بالكلمات التي لا تقبل المساومة، وبالرؤية الثاقبة التي لا تنجرف خلف السراب أو أحلام زائفة.
نحن بحاجة إلى وقفة جادة، وقفة تأمل في مسارنا وفي الطرق التي نسلكها. كل خطوة نتخذها يجب أن تكون مدروسة، وكل كلمة نقولها يجب أن تحمل معها ثقل الحق. لن نكون جزءاً من تلك الحروب التي تُشعلها الأنانية أو الطمع أو الجهل، بل سنكون دائماً جزءاً من الثورة الحقيقية: ثورة الفكر، ثورة الضمير، ثورة الإيمان بالحق والخير والعدالة.
لذلك، أيتها الحياة، لنا رأي آخر. لن نكون ضحايا لنظام فاسد أو مجتمع ضال. لن نكون رهناء للأكاذيب أو أسرى للعقول الضيقة. سنقف كما تقف الجبال أمام العواصف، بثبات، وبإيمان، وبيقين قاطع أمام كل ما هو باطل. سنواصل السعي نحو الحياة التي تستحق أن نعيشها، الحياة التي تفيض بالكرامة والعدل والحرية.