لنا رأي آخر: هل هي الحرب أم نظرية المؤامرة البحتة؟
بقلم: د. عدنان بوزان
في السنوات الأخيرة، برز الوضع في سوريا كواحد من أكثر الصراعات تعقيداً وإثارة للجدل في العالم. بعد أكثر من عقد من الزمان على بدء الأزمة، يبدو أن السؤال الأهم الذي يتعين طرحه هو: هل نحن أمام حرب حقيقية، أم أن ما يحدث في سوريا هو مجرد نتيجة لنظريات مؤامرة تتلاعب بالعقول وتفسر الأحداث بطريقة مبسطة؟ لفهم هذا الوضع بشكل أعمق، يجب علينا استكشاف الأبعاد التاريخية والسياسية والإنسانية للصراع.
البداية كانت في عام 2011 عندما انطلقت الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري. كان السخط الشعبي ناتجاً عن سنوات من الاستبداد والقمع، ولكنه سرعان ما تحول إلى صراع مسلح مع تصاعد العنف من جانب النظام. وفي خضم هذه الفوضى، تداخلت مصالح القوى الخارجية بشكل كبير. هذا الانزلاق إلى العنف كشف عن وجود قوى تتربص بالأحداث لتوسيع نفوذها، مما أثار تساؤلات حول مدى تأثير هذه القوى في مجريات الأمور.
ففي حين أن الأوضاع الداخلية قد أشعلت فتيل الأزمة، نجد أن هناك أبعاداً خارجية تلعب دوراً رئيسياً في تعميق الصراع. إيران، على سبيل المثال، دخلت إلى الساحة السورية لدعم النظام، وبدورها تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة، معتبرةً سوريا بمثابة ممر استراتيجي يربطها بحلفائها. من ناحية أخرى، تُعتبر إسرائيل دولة غير راضية عن وجود إيران على حدودها، مما يضعها في مواجهة مباشرة مع طهران.
الاشتباكات بين القوات الإيرانية والإسرائيلية في الأراضي السورية ليست مجرد صراع إقليمي، بل تُعتبر جزءاً من معركة أكبر تتعلق بموازين القوى في الشرق الأوسط. إذ تسعى كلتا الدولتين لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، مع تجاهل حقيقي لمعاناة الشعب السوري الذي يتحول إلى ضحية لهذه الصراعات الكبرى.
في هذا السياق، تُطرح نظرية المؤامرة لتفسير ما يحدث. يرى البعض أن القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، تتلاعب بالملفات السورية وفق مصالحها، مما يضفي طابعاً من التعقيد على المشهد. لكن من المهم أن ندرك أن هذه النظريات غالباً ما تغفل الأبعاد الإنسانية للصراع. فإن معاناة الشعب السوري، الذي فقد أكثر من نصف سكانه بين نازح ولاجئ، تجسد مأساة فريدة لا يمكن اختزالها في سياقات سياسية بحتة.
صحيح أن القوى الخارجية تلعب دوراً رئيسياً في تعقيد الصراع، ولكن ذلك لا يعني أن الصراع نفسه هو مجرد نتيجة لمؤامرات. إن الأمر يتطلب فهماً عميقاً للواقع السوري، الذي يعاني من آثار الفقر والبطالة والانقسام الاجتماعي. الأوضاع الاقتصادية الصعبة تفاقم من حدة التوترات، مما يجعل إعادة بناء البلاد تحدياً كبيراً في أعقاب الحرب.
علاوة على ذلك، يجب أن نلفت النظر إلى أن الموقف الدولي من الوضع في سوريا يظل متبايناً. القوى الغربية، على سبيل المثال، تنظر إلى النظام السوري بعين الريبة، بينما تتبنى بعض الدول الأخرى موقفاً متضامناً معه. وهذا التباين يجعل من الصعب تحقيق توافق دولي يمكن أن يسهم في إنهاء الصراع.
في نهاية المطاف، لا يمكننا تجاهل حقيقة أن الشعب السوري هو من يدفع الثمن الباهظ لهذه الحروب والصراعات. إن الآثار الإنسانية لهذه الحرب، من دمار للبنية التحتية وتهجير قسري وفقدان للأرواح، تتطلب منا جميعاً إعادة التفكير في كيفية مقاربة الصراع. يجب أن يكون التركيز على الحلول السلمية التي تأخذ في الاعتبار تطلعات الشعب السوري لبناء مستقبل أفضل.
من الواضح أن الأوضاع في سوريا تعكس تعقيدات حقيقية تتجاوز مجرد تصورات نظرية المؤامرة. بينما تلعب القوى الخارجية دوراً، تبقى الجوانب الإنسانية والسياسية جوهرية في فهم الوضع. إن الأمر يتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ خطوات حقيقية نحو دعم الحلول السلمية، مع ضرورة التركيز على إعادة بناء البلاد وتضميد جراح الشعب السوري، الذي يستحق السلام والاستقرار بعد كل ما عاناه.