بقلم : د. عدنان بوزان
رأيتكِ قبل أن تراكِ الشمس،
قبل أن يُولد الحنين في وجدان المسافات،
كنتِ تسكنين نبضي،
كما تسكن الفكرةُ جبينَ شاعرٍ سهران،
كأنكِ خرجتِ من سطرٍ قديمٍ نُسي أن يُقال،
أو من حلمٍ علِق في زوايا الذاكرة... لا يشيخ.
حين نادتكِ روحي،
لم تنتظر الأجساد أن تتصافح،
بل التفت قلبي إليكِ،
كما تلتفت الزهرة نحو الشمس في أول الصباح،
دون أن يُفكّر، دون أن يُرتّب أنفاسه،
كأن الطريق إليكِ كُتب في داخلي بالحبر السرّي للحياة.
أنتِ لستِ شخصاً...
أنتِ ظلّ فكرةٍ عبرتني في غفلة،
أنتِ رجعُ صدى يشبهني حدَّ الفقد،
تشبهينني كأنكِ انكساري، كأنكِ ألمي في مرآةٍ صامتة،
تعرفين حزني قبل أن يرتّب ملامحه،
وتلمسين ندبي كما لو كانت قد حفرت في جلدكِ أولاً.
أحاول الهربَ منكِ إليكِ،
كما يهرب النهر إلى البحر،
وأكتشف أن المسافة بيننا وهمٌ أبيض،
نردّده لنخدع الوقت،
فنحن نلتقي كلّ ليلةٍ في مرآةٍ لا تعكس سوى روحٍ واحدة،
روحٍ لا تفرّق بين العاشق والمعشوقة،
كأننا لغزٌ خُلق ليكتمل في عيني الآخر.
لا تسأليني: كيف أحبكِ؟
أنا لا أملك تعريفاً للحب،
كلّ ما أعلمه أنني أتنفّسكِ...
أتنفّسكِ كما يتنفّس الجنين دفءَ الرحم،
وكلّ نَفَسٍ يأتيني بكِ،
طريّةً، دافئةً، متجدّدةً كالمطر الأول بعد جفافٍ طويل.
حين أكتبكِ،
ترتجف الحروف،
ويخجل الورق من ضيق مساحته عن احتوائكِ.
أنتِ اتساع،
أنتِ أغنيةٌ لا تنتهي،
ونايٌ لا يعزف إلا أنين قلبي.
في صمتكِ،
أسمع ازدحام الحنين،
وفي عينيكِ،
أقرأ تاريخي،
كأنكِ مكتوبةٌ على صفحاتي منذ البداية.
يا مرآتي،
يا شظايا قلبي في صورةِ أنثى،
هل تذكرين حين عبرنا بعضنا دون أن نتلامس؟
هل شعرتِ أنني أنتِ،
وأن الحبّ ليس شيئاً نملكه، بل شيئاً يُفنينا لنُبعث فيه؟
أنا لا أشتاق إليكِ،
أنا أشتاق إلى نفسي حين تكونين فيّ،
فلا تفارقيني...
فأنتِ لستِ فقط من أُحب،
بل من أكونُ حين أُحب.