بين زخات الحروف ونسمات التاريخ: يوم اللغة الكوردية
بقلم: د. عدنان بوزان
في أعماق الزمن، حيث تتشابك الخيوط الأولى للتاريخ مع نسائم الجبال والوديان، ولدت اللغة الكوردية كنبع صافٍ يروي ضمأ الروح البشرية ويسقي شجرة الهوية العريقة للشعب الكوردي. هذه اللغة، التي تحمل في طياتها تراث آلاف السنين من الحضارة والثقافة، ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي سجل حيّ يحفظ حكايات الأجداد وأغانيهم وأحلامهم.
مع كل حرف ونغمة، تستحضر اللغة الكوردية صوراً نابضة بالحياة: سهول خضراء، وجبال شامخة، وأغانٍ تتردد في ليالي الشتاء الطويلة. إنها لغة الشعراء والفلاسفة، لغة المقاومة والأمل، لغة تنبض بقوة التاريخ وحيوية المستقبل. في الخامس عشر من أيار، نتوقف لنتأمل في عظمة هذه اللغة، نحتفي بها، ونعيد التأكيد على دورها الجوهري في تشكيل هوية الأمة الكوردية.
إن يوم اللغة الكوردية ليس مجرد تاريخ في التقويم، بل هو مناسبة لاستذكار العمق الثقافي والإنساني الذي تنبثق منه هذه اللغة. إنه يوم نُحيي فيه التراث، نكرم فيه الأدباء والشعراء، ونعزز فيه التزامنا بحماية لغتنا وتطويرها. في هذا اليوم، نلتقي على حب اللغة، ونتعهد بأن تظل الكوردية نابضة بالحياة، متجددة، ومحفوظة للأجيال القادمة، كباقة زهور تتفتح في بساتين الخلود.
يوم اللغة الكوردية، الذي يُحتفل به في الخامس عشر من أيار، يمثل حدثاً ثقافياً وأدبياً بارزاً للشعب الكوردي، يجسد الفخر والاعتزاز بالتراث اللغوي والأدبي لهذه الأمة العريقة. إنه يوم يخصص للاحتفاء باللغة الكوردية، التي تعدّ واحدة من أقدم اللغات في المنطقة، ولها جذور تمتد عبر التاريخ لأكثر من ألفي عام.
1- أهمية اللغة الكوردية:
تحتل اللغة الكوردية مكانة مركزية في الهوية الثقافية للشعب الكوردي. فهي ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل تعبير عن الوجود والهوية والموروث التاريخي. تعتبر اللغة الكوردية رابطاً يجمع بين الأجيال ويعزز من شعور الانتماء والفخر بالتراث الكوردي. ومن خلال اللغة، تنتقل القصص والحكايات والأشعار والموسيقى والفنون الشعبية التي تحمل في طياتها القيم والتقاليد والعادات الكوردية.
2- الأدب الكوردي:
الأدب الكوردي زاخر بالإبداعات الأدبية من شعر ونثر ومسرح. وقد شهد تطوراً ملحوظاً عبر العصور، حيث كانت اللغة الكوردية وسيلة لنقل الأفكار والمشاعر والتجارب الإنسانية. من بين أبرز الشعراء الكورد نذكر أحمد خاني، الذي كتب "مم وزين"، وهي ملحمة شعرية تعتبر من أعظم الأعمال الأدبية في الأدب الكوردي. كما أن للكاتبات الكورديات دوراً كبيراً في إثراء الأدب الكوردي المعاصر، مما يعكس تطور المجتمع الكوردي ودوره الفاعل في الحفاظ على لغته وثقافته.
3- دور المؤسسات الثقافية والتعليمية:
تلعب المؤسسات الثقافية والتعليمية دوراً محورياً في الحفاظ على اللغة الكوردية وتعليمها للأجيال الجديدة. ففي يوم اللغة الكوردية، تنظم هذه المؤسسات فعاليات متنوعة تشمل الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية والمعارض الفنية التي تسلط الضوء على غنى اللغة الكوردية وأدبها. كما تسهم الجامعات والمدارس في تدريس اللغة الكوردية وإجراء البحوث والدراسات حولها، مما يعزز من مكانتها العلمية والأكاديمية.
4- التحديات والآمال:
رغم التحديات التي تواجه اللغة الكوردية، مثل محاولات الطمس والتهميش عبر التاريخ، إلا أن الشعب الكوردي يواصل الكفاح للحفاظ على لغته. ويعتبر يوم اللغة الكوردية رمزاً لهذا الكفاح، ويعكس إصرار الكورد على الاحتفاظ بلغتهم كجزء لا يتجزأ من هويتهم. يأمل الكورد في أن يشهد المستقبل مزيداً من الدعم والاعتراف الرسمي بلغتهم، لتعزيز حضورها في مختلف المجالات الحياتية.
الخاتمة:
في الخامس عشر من أيار، يحتفل الكورد بيوم اللغة الكوردية بفخر واعتزاز، مؤكدين على أهمية اللغة في صون الهوية الثقافية والتاريخية. إن هذا اليوم ليس مجرد احتفال عابر، بل هو مناسبة للتذكير بالقيمة العظيمة للغة الكوردية وللاستمرار في الجهود الرامية إلى حمايتها وتطويرها. فاللغة الكوردية ليست مجرد كلمات وجمل، بل هي روح تنبض بالحياة، وتاريخ يكتب بالأمل والصمود.