كرامتك: الروح الثانية فلا تدعها تموت

بقلم: د. عدنان بوزان

كرامتك ليست مجرد كلمة عابرة تُذكر في سياق الحديث، ولا هي قيمة اجتماعية تُمنح أو تُسلب وفقاً لأحكام الآخرين. كرامتك هي روح ثانية، متجذرة في أعماقك، تسكن في كل جزء من وجودك. إنها القوة الصامتة التي تدفعك إلى الأمام حين تضعف الروح الأولى، حين تتلاشى الآمال ويثقل الواقع على كاهلك. كرامتك هي ما يجعلك تقف منتصباً في وجه العواصف، هي ما يحفظ لك ذاتك أمام نفسك وأمام الآخرين.

إن الحياة مليئة بالصراعات والمواقف التي تختبر صلابة هذه الروح الثانية. قد تجد نفسك في مواقف يحاول فيها الآخرون تقزيمك، التقليل من شأنك، أو حتى تدميرك نفسياً. في هذه اللحظات، يتجلى الاختبار الحقيقي: هل ستبقى صامتاً وتسمح لهم بأن يمزقوا كرامتك، أم أنك ستقف مدافعاً عنها بكل ما لديك من قوة؟ ليس كل من يعيش يتنفس فعلاً؛ فهناك من فقدوا كرامتهم، وأصبحوا مجرد أجساد تتجول بلا روح.

عندما تفقد كرامتك، فإنك تفقد جزءاً من جوهرك، من حقيقتك الإنسانية. أنت لا تموت مرة واحدة، بل تموت مرتين: الأولى حين يخبو نور حياتك الجسدية، والثانية والأشد قسوة حين تنطفئ روحك الكريمة أمام ظلم العالم وتحدياته. تلك الموتة الثانية هي الأصعب لأنها تحدث وأنت لا تزال تتنفس، لكنك تعيش خالياً من أي شعور بالذات، خالياً من الاحترام الذي تستحقه لنفسك.

الحفاظ على الكرامة هو معركة داخلية دائمة، لأن هناك من يحاولون، بقصد أو بغير قصد، انتزاعها منك. قد تكون في العمل، في العلاقات الشخصية، أو حتى في المجتمع الكبير. هناك من يستغل طيبتك وضعفك المؤقت، وهناك من يحاول تسليط الضوء على عثراتك ليقلل من شأنك. لكن الكرامة الحقيقية لا تعتمد على ما يقوله الآخرون أو يفكرون فيه، بل على فهمك لنفسك واحترامك لما أنت عليه.

الكرامة ليست غروراً ولا كبرياءً فارغاً. هي وعي عميق بأنك كإنسان تستحق الاحترام، وأنك لا تحتاج إلى تقديم تنازلات في ما يخص قيمتك الإنسانية. في بعض الأحيان، ستحاول الحياة أن تضعك في مواقف تجبرك على التضحية بجزء من كرامتك مقابل مكسب مادي أو اجتماعي. قد تجد نفسك مضطراً للاختيار بين الحفاظ على منصب أو الحفاظ على كرامتك. في تلك اللحظات، ستدرك أن الكرامة هي أغلى من أي مكسب عابر.

لكن الكرامة أيضاً هي في طريقة تعاملك مع الآخرين. كما أنك تحافظ على كرامتك، عليك أن تحترم كرامة الآخرين. لأن الكرامة ليست ملكاً خاصاً للفرد وحده، بل هي حقٌ جماعي يجب أن نساهم جميعاً في الحفاظ عليه. حين تحترم كرامة غيرك، فإنك تدعم قيمتك الإنسانية وتزيد من قوة روحك الثانية.

الأشخاص الذين يضحون بكرامتهم مقابل مكاسب مادية أو اجتماعية، يفقدون شيئاً أكبر مما يعتقدون. قد يكسبون لحظات من الرضا الزائف أو النجاح المؤقت، لكنهم في نهاية المطاف يعيشون حياتهم مثقلين بالشعور بالخيانة لأنفسهم. الكرامة هي تلك الشعلة الداخلية التي تضيء طريقك، وتجعلك قادراً على العيش بسلام مع نفسك.

قد تأتيك لحظات تشعر فيها بأن التضحية بكرامتك هي الحل الوحيد لتجنب الصراع أو الفقدان. لكن الحقيقة هي أن كل مرة تتخلى فيها عن كرامتك، فإنك تخسر جزءاً من نفسك. الكرامة ليست خياراً يمكن التفاوض عليه، بل هي ضرورة للبقاء النفسي والعاطفي. من يخسر كرامته يخسر القدرة على النظر إلى نفسه في المرآة برضا.

الحفاظ على كرامتك يعني أن تظل متصالحاً مع ذاتك، أن ترفض أن تكون دمية في يد أي شخص يسعى لتحطيمك. الكرامة تمنحك القوة على أن تقول "لا" في وجه من يحاول استغلالك، القوة لتقف شامخاً أمام الظلم، القوة لتظل أنت، مهما كانت الظروف.

لا تدع الحياة تسرق منك روحك الثانية. حافظ على كرامتك كما تحافظ على روحك الأولى، لأنها هي التي ستبقيك على قيد الحياة حتى في أحلك اللحظات. الحياة قد تأخذ منك أشياء كثيرة، لكنها لا يمكن أن تأخذ كرامتك إلا إذا سمحت لها بذلك. كن حارساً على هذه الروح، واحمها بكل ما أوتيت من قوة، لأن فقدانها هو الموت الحقيقي.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!