الزيارة التركية إلى دمشق: تحولات استراتيجية وضغوط إقليمية ودولية في الصراع السوري
- Super User
- مقالات سياسية
- الزيارات: 1317
بقلم: د. عدنان بوزان
زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ومدير جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين إلى دمشق تشكل تطوراً هاماً في العلاقات الإقليمية والدولية المتعلقة بالصراع السوري. فهي تعكس، أولاً وقبل كل شيء، تغييرات استراتيجية في السياسة التركية تجاه سوريا، وتكشف عن انخراط تركي مباشر في محاولة للضغط على الأطراف المختلفة لتحقيق مصالحها في المنطقة. كما أنها تأتي في وقت حساس حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية، مع تزايد التأثير الإسرائيلي والأمريكي في المعادلة السورية.
1. التوجه التركي إلى دمشق: محاولات الضغط على دمشق وحلفائها:
يبدو أن الزيارة تأتي في سياق رغبة تركيا في التأثير على مجريات الأمور بعد التقارب المفاجئ بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والسلطة السورية الجديدة، وهو ما قد يهدد المصالح التركية في المنطقة. تركيا، التي تقود عمليات عسكرية في شمال سوريا لمكافحة "قسد" المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، تعتبر هذه القوات تهديداً وجودياً لأمنها القومي. في هذا السياق، يُعتقد أن زيارة المسؤولين الأتراك هي محاولة للضغط على دمشق لتفكيك هذا التعاون أو على الأقل لتعديله بما يتماشى مع المصالح التركية.
وفي الوقت الذي تتقدم فيه المفاوضات بين "قسد" والسلطة السورية الجديدة ، يسعى المسؤولون الأتراك إلى استخدام الدبلوماسية كأداة للتأثير على دمشق وحلفائها، سواء عبر استغلال النفوذ العسكري التركي في شمال سوريا أو عبر علاقاتها مع القوى الإقليمية مثل روسيا. بالتالي، يمكن فهم الزيارة على أنها جزء من محاولات تركية متواصلة للحفاظ على التوازن في سوريا وفقاً لمصالحها الوطنية، مع سعيها الحثيث لمنع تعزيز النفوذ الكوردي في شمال سوريا.
2. ضغط إسرائيلي-أمريكي: تقليص التأثير التركي في سوريا:
من جانب آخر، من غير المستغرب أن تتخذ إسرائيل والولايات المتحدة مواقف أكثر تشدداً ضد الوجود التركي في سوريا. إسرائيل، التي تعتبر أنشطة إيران في سوريا تهديداً مباشراً لأمنها، قد تكون غير راضية عن الدور التركي الذي قد يؤدي إلى توسيع نفوذ طهران في المنطقة. بينما تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص نفوذ تركيا في سوريا، وذلك في إطار تناقضات السياسة الأمريكية والغربية في المنطقة، حيث تدعم الولايات المتحدة في بعض الأحيان القوى الكوردية ضد تركيا، في وقت لا تخفى فيه الخلافات بين حلفائها الإقليميين بشأن التعامل مع الأزمة السورية.
عليه، فإن تركيا قد تواجه ضغوطاً ليس فقط من دمشق، بل أيضاً من تل أبيب وواشنطن للحد من تدخلاتها في سوريا. سيكون من الصعب على تركيا، بالنظر إلى قوتها العسكرية والاقتصادية، الوقوف وحدها في مواجهة هذه الضغوط. وهذا يزيد من تعقيد المشهد السياسي في سوريا، حيث تعمل القوى الدولية على الحد من النفوذ التركي عبر تحركات دبلوماسية وعسكرية.
3. مصير الاتفاق بين قسد ودمشق: هل هو حبر على ورق؟
أما فيما يتعلق بالاتفاق بين "قسد" والسلطة السورية الجديدة ، فمن المرجح أن يكون في معظمه مجرد خطوة سياسية هدفها تجنب التصعيد المباشر. فالتحديات السياسية والعسكرية التي تواجه الأطراف المعنية، سواء كانت دمشق أو "قسد"، تجعل من الصعب تطبيق مثل هذا الاتفاق على أرض الواقع. تركيا قد تكون في قلب هذا التوتر، إذ ستبذل كل ما في وسعها للضغط على سلطة أحمد الشرع لتعديل موقفه بما يتوافق مع مصالحها.
ورغم كل ذلك، يمكن أن يساهم هذا الاتفاق في تقليل التصعيد العسكري التركي ضد "روجافا"، لا سيما في ظل الضغوط الإسرائيلية والأمريكية على تركيا. وقد يساعد الاتفاق في تخفيف حدة الصراع في بعض المناطق مثل عفرين، خاصة إذا كانت هناك تفاهمات غير رسمية بين الأطراف بشأن إعادة بعض النازحين إلى مناطقهم. ومع ذلك، فإن تطبيق الاتفاق عملياً سيظل مشوباً بعدم اليقين.
4. الضغوط الإسرائيلية والأمريكية على البيت الأبيض: تأثير غير مباشر على القرار التركي:
يبدو أن الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، من خلال تحريك الملف السوري على المستويين الدولي والإقليمي، سيكون لها تأثير كبير على القرار التركي. ففي الوقت الذي يسعى فيه البيت الأبيض لتحقيق توازنات سياسية بين مختلف الأطراف المتنافسة في سوريا، تواصل إسرائيل ضغطها على واشنطن لتقليص النفوذ التركي، معتبرة أن أي زيادة في القوة العسكرية التركية في سوريا قد تسهم في تعزيز وجود إيران، وهو ما يعتبره العديد في إسرائيل تهديداً لأمنهم القومي.
5. ختاماً: التحركات التركية ومسار الأحداث القادم:
لا شك أن زيارة الوفد التركي إلى دمشق تمثل خطوة دبلوماسية هامة، لكنها لا تضمن بالضرورة تحقيق نتائج ملموسة. فالمعطيات الحالية تشير إلى أن أي اتفاق بين الأطراف المختلفة سيبقى محدوداً، وربما سيكون حبراً على ورق في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي تعترض تطبيقه. ومع استمرار تعقيد الأوضاع في سوريا، تبقى الأمور مرهونة بتفاعل القوى الكبرى والإقليمية، وبتفاعل تركيا مع هذه المعطيات.