زيلينسكي في فخ ترامب: مواجهة غير مسبوقة تكشف واقع العلاقات الأمريكية الأوكرانية
- Super User
- سياسة
- الزيارات: 1282
بقلم: د. عدنان بوزان
في سابقة سياسية غير معهودة، وجد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه في موقف لا يُحسد عليه خلال لقائه الأخير بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لم يكن هذا الاجتماع مجرد لقاء دبلوماسي روتيني، بل تحول إلى ساحة مواجهة علنية، استعرض فيها ترامب سياساته المباشرة التي لا تخلو من الاستفزاز، مما كشف عن توتر عميق في العلاقات بين كييف وواشنطن.
1- زيلينسكي في موقف صعب منذ اللحظة الأولى:
منذ البداية، لم يُخفِ ترامب موقفه المتشكك تجاه زيلينسكي، بل وصفه بأسلوبه المعتاد بأنه "ديكتاتور صغير يرتدي زياً غير لائق"، في إشارة إلى ملابسه غير الرسمية التي أصبحت جزءاً من صورته الإعلامية. لم يكن هذا التعليق مجرد ملاحظة عابرة، بل كان يحمل في طياته رسالة سياسية واضحة مفادها أن الرئيس الأوكراني ليس في موقع يسمح له بفرض الشروط، بل هو في موقف التابع الذي يعتمد بالكامل على الدعم الأمريكي.
وبطريقة استعراضية، تابع السيناتور جيدي فانس الهجوم قائلاً: "يجب أن تدرك أين أنت الآن، أنت هنا لإنقاذ بلدك، وليس لإلقاء الخطب أو تقديم الأعذار." كان هذا التصريح بمثابة تحجيم صريح لزيلينسكي، ووضعه في خانة المسؤول الذي عليه أن يتقبل الشروط بدلاً من محاولة فرض إرادته.
2- ترامب يحدد قواعد اللعبة: بدون أمريكا لن تستمر الحرب:
لكن التصعيد الحقيقي بدأ عندما وجه ترامب كلماته القاسية إلى زيلينسكي قائلاً: "لولا أمريكا ومساعداتها، لانتهت هذه الحرب خلال أسبوعين." هذا التصريح يعكس بشكل واضح رؤية ترامب للحرب الأوكرانية باعتبارها نزاعاً يمكن إنهاؤه سريعاً إذا توقفت واشنطن عن تمويله، وهو موقف يتبناه الجناح الجمهوري المتشدد، الذي يرى أن دعم أوكرانيا أصبح عبئاً على الاقتصاد الأمريكي دون فائدة استراتيجية واضحة.
لم يكن هذا التصريح مجرد انتقاد، بل كان تحذيراً مبطناً بأن استمرار الدعم ليس مضموناً، خصوصاً في ظل تصاعد الأصوات داخل الولايات المتحدة التي تطالب بإعادة النظر في حجم المساعدات المقدمة لكييف.
3- "أنت تشعل حرباً لن تنطفئ":
وفي تصعيد إضافي، قال ترامب لزيلينسكي: "أنت أشعلت ناراً لا تحلم بأن تنطفئ، وتغامر بشعبك وبلدك في حرب قد تمتد إلى صراع عالمي لا يمكن التنبؤ بعواقبه." لم يكن هذا التصريح مجرد انتقاد لسياسات أوكرانيا، بل محاولة لتحميل القيادة الأوكرانية مسؤولية استمرار الحرب، وهو موقف يتعارض مع الرواية الغربية السائدة التي تلقي باللوم الكامل على روسيا.
4- الدبلوماسية كطوق نجاة أم تبرير للعجز؟:
حاول السيناتور جيدي فانس تهدئة الأجواء قليلاً عندما تحدث عن "الدبلوماسية كوسيلة لإنهاء الدمار الذي حل بأوكرانيا"، مؤكداً أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لتجنب المزيد من الكوارث. لكن زيلينسكي رد بسخرية قائلاً: "هل زرت أوكرانيا يوماً لتعرف حجم المشاكل التي نواجهها؟"
هذا الرد، وإن بدا محاولة للدفاع عن موقفه، إلا أنه كشف أيضاً عن عزلة زيلينسكي السياسية، حيث وجد نفسه في موقف المدافع عن سياسة لم تعد تلقى نفس الدعم غير المشروط الذي كانت تحظى به في السابق.
5- صفقات المعادن: الخلافات الاقتصادية تطفو على السطح:
لم تتوقف المواجهة عند حدود المساعدات العسكرية، بل امتدت إلى الملفات الاقتصادية، حيث رفض ترامب التوقيع على اتفاقية المعادن المعدلة، والتي كانت تهدف إلى إنشاء صندوق استثماري مشترك تحصل فيه واشنطن على نصف العائدات من الموارد الأوكرانية. شعر زيلينسكي بالخذلان، وقال بصراحة: "أمريكا تريد ثلاثة دولارات مقابل كل دولار قدمته لأوكرانيا"، وهو تصريح يعكس خيبة أمل القيادة الأوكرانية التي كانت تتوقع دعماً غير مشروط.
هذه الصفقة لم تكن مجرد قضية اقتصادية، بل كانت مؤشراً على أن واشنطن بدأت تنظر إلى أوكرانيا من منظور اقتصادي بحت، بعيداً عن الشعارات التي تتحدث عن دعم الديمقراطية والحرية.
6- تقارب أمريكي - روسي غير معلن؟:
أحد أكثر الجوانب المثيرة في هذا اللقاء هو أن ما حدث في البيت الأبيض قد يُفسَّر على أنه "عربون صداقة" مقدم لروسيا. فمن خلال انتقاد ترامب الصريح لزيلينسكي، ورفضه للصفقات التي تمنح كييف امتيازات اقتصادية، بدا وكأنه يبعث برسالة إلى موسكو مفادها أن السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا قد تشهد تحولاً جذرياً في البيت الأبيض.
هذا الموقف لا يمكن فصله عن التغيرات الجيوسياسية الأوسع، حيث تتزايد الدعوات داخل الأوساط السياسية الأمريكية إلى إعادة ضبط العلاقات مع روسيا، خاصة في ظل تصاعد التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في شرق آسيا والشرق الأوسط.
7- أوكرانيا بين المطرقة والسندان:
ما حدث في البيت الأبيض لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل كان بمثابة إعادة تعريف للعلاقة بين واشنطن وكييف. زيلينسكي، الذي اعتاد على الدعم المطلق، وجد نفسه في مواجهة جديدة حيث باتت المطالب الأمريكية أكثر وضوحًا وقسوة. فواشنطن لم تعد مستعدة لتقديم شيكات مفتوحة دون مقابل، بل باتت تنظر إلى أوكرانيا كدولة عليها أن تقدم تنازلات اقتصادية وسياسية مقابل كل دعم تحصل عليه.
في الختام، لقاء زيلينسكي مع ترامب قد يكون بداية لتحول أعمق في السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا. فبينما كان الرئيس الأوكراني يسعى للحصول على المزيد من الدعم، وجد نفسه في موقف صعب حيث لم يعد الدعم الأمريكي أمراً مسلماً به. في المقابل، فإن ترامب والجناح الجمهوري المتشدد يرون أن على أوكرانيا أن تبدأ في تحمل جزء من المسؤولية، سواء من خلال تقديم تنازلات في المفاوضات مع روسيا، أو من خلال السماح بمزيد من الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على مواردها.
ما جرى في واشنطن قد يكون بداية مرحلة جديدة، حيث لم يعد بإمكان أوكرانيا الاعتماد على الدعم الأمريكي غير المشروط، وعليها أن تتعامل مع واقع جديد أكثر تعقيداً مما كانت تتوقعه.