دستور الإقصاء والاستبداد: رفضٌ قاطع لمحاولة تكريس حكم الفرد في سوريا
- Super User
- سياسة
- الزيارات: 1427
إن مشروع الدستور الجديد المطروح اليوم لا يعبر عن تطلعات الشعب السوري، بل يعكس إرادة السلطة التي تسعى إلى فرض رؤيتها الإقصائية والاحتفاظ بالحكم إلى أجل غير مسمى. فهو ليس وثيقة تؤسس لدولة حديثة، بل محاولة جديدة لشرعنة الاستبداد وترسيخ الحكم الفردي تحت غطاء قانوني يخدم مصالح فئة ضيقة، بينما يُقصي شرائح واسعة من المجتمع السوري، ويقوّض أي فرصة حقيقية لتحقيق الديمقراطية والتعددية.
إن اشتراط أن يكون دين رئيس الجمهورية الإسلام يُعدّ انتهاكاً صريحاً لمبدأ المواطنة المتساوية، حيث يُقصي غير المسلمين، بل وحتى المسلمين الذين لا يتوافقون مع الرؤية التي تفرضها السلطة. هذا البند ليس إلا امتداداً لسياسات التمييز التي عمّقت الانقسامات داخل المجتمع، وهو إخلال بمفهوم الدولة المدنية التي ينبغي أن تقوم على الكفاءة لا على الانتماء الديني. كما أن هذا الشرط يُشكل تمييزاً واضحاً ضد المرأة، إذ يحرمها فعلياً من الترشح لهذا المنصب، ما يكشف زيف الادعاءات حول المساواة والعدالة في هذا الدستور.
الأخطر من ذلك هو فرض الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع، مما يعني إخضاع قوانين الدولة لتفسيرات دينية قد تخدم أجندات سلطوية أكثر مما تخدم قيم العدالة والحرية. إن فرض مرجعية دينية واحدة على جميع السوريين، دون اعتبار للتنوع الفقهي داخل الإسلام نفسه، ودون احترام حقوق غير المسلمين، يقوّض أسس الدولة الحديثة، ويمنح الحاكم أدوات إضافية لتقييد الحريات وشرعنة القمع السياسي والاجتماعي.
وبدلاً من أن يؤسس هذا الدستور لدولة تعترف بجميع مكوناتها، فإنه يكرس سياسات التهميش والإقصاء بحق الشعب الكوردي وغيره من المكونات السورية. إن تجاهل حقوق الكورد في الدستور استمرار لنهج إقصائي لا يخدم إلا تأجيج التوترات الداخلية، مما يقوّض أي أمل في بناء دولة قائمة على العدالة والمساواة. كما أن فرض اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة دون الاعتراف باللغة الكوردية يعكس سياسات صهر قسري تهدف إلى تهميش الهوية الثقافية واللغوية لشريحة أساسية من المجتمع السوري، في تجاوز واضح لحقوق المواطنة، وإنكار للتعددية التي يفترض أن تكون حجر الأساس في أي نظام ديمقراطي.
وعلى المستوى السياسي، فإن هذا الدستور ليس إلا وسيلة أخرى لترسيخ الحكم الفردي وإطالة عمر السلطة. فالمرحلة الانتقالية، التي تمتد لخمس سنوات دون تحديد واضح لعدد الدورات الرئاسية، تمنح الحاكم فرصة للتحايل على العملية الديمقراطية وضمان بقائه في السلطة إلى أجل غير مسمى. إضافة إلى ذلك، فإن الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية، بما في ذلك تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، تجعل من هذا المجلس مجرد أداة شكلية في يد السلطة التنفيذية، مما يقضي على أي توازن بين السلطات، ويفرغ العملية الديمقراطية من معناها الحقيقي.
إننا نرفض هذا الدستور جملةً وتفصيلاً، لأنه لا يمثل إرادة الشعب السوري، ولا يخدم سوى استمرارية النظام الحاكم بآليات جديدة. إن سوريا بحاجة إلى دستور يعكس تطلعات شعبها في الحرية والعدالة والمساواة، لا إلى وثيقة تُستخدم لإعادة إنتاج الاستبداد. إن فرض دستور يُقصي شرائح واسعة من المجتمع، ويكرس سلطة الفرد، ويتجاهل أسس التعددية، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والاضطراب، ولن يكون سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من القمع والاستبداد التي عانى منها السوريون طويلاً.
كما نطالب الكورد السوريين في كافة المناطق الكوردية، وكذلك في جميع أنحاء العالم، بإطلاق التظاهرات السلمية في مواجهة هذا الدستور الإقصائي الذي يهدد حقوقهم ويقوض هويتهم الثقافية واللغوية. إن رفض هذا الدستور لا يقتصر على مكون واحد بل هو قضية شعب بأسره، ويجب أن تكون احتجاجاتهم ساحة تعبير حرة عن رفضهم للتمييز والظلم المستمر. يجب أن يتوحد الكورد في الداخل والخارج في نضالهم من أجل دستور يعترف بحقوقهم ويضمن لهم حريتهم في التعبير عن هويتهم والمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل سوريا ديمقراطي وعادل، بعيداً عن الإقصاء والتمييز.
13 أذار 2025
د. عدنان بوزان