إن الاتفاقية التي تمت بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة مظلوم عبدي وسلطة دمشق الجديدة بقيادة أحمد الشرع (المعروف بـ"أبو محمد الجولاني")، المصنف دولياً كإرهابي، ليست سوى انعكاس واضح لصفقة سياسية تم ترتيبها ضمن دوائر صنع القرار الأمريكي والتركي، متجاوزةً بذلك الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي في سوريا. هذه الاتفاقية ليست خطوة نحو الحل، بل تعدّ انتهاكاً واضحاً للمطالب القومية والحقوق التاريخية للشعب الكوردي، الذي لا يمكن اختزاله في مصطلح "مجتمع كوردي" داخل سوريا، بل هو شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية، وله حقوق قومية مشروعة، بما في ذلك حق تقرير المصير وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية.
إن التلاعب بالمصطلحات السياسية في هذه الاتفاقية، والحديث عن "إدماج المجتمع الكوردي" بدلاً من الاعتراف بالشعب الكوردي ككيان قومي له حقوق دستورية، يعكس محاولة واضحة للالتفاف على جوهر القضية الكوردية في سوريا. إن أي حل عادل يجب أن يكون مستنداً إلى اتفاق دستوري مُلزم، يتم تحت إشراف الأمم المتحدة، ويعتمد على القانون الدولي الذي يكفل حقوق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية، بعيداً عن أي تدخلات خارجية تهدف إلى تقويض هذه الحقوق أو فرض حلول قسرية لا تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب الكوردي.
أما الاتفاق الذي أُعلن عنه في 10 آذار2025، فلا يعدو كونه محاولة لإنقاذ الجولاني من المساءلة الدولية عن جرائمه، خاصة تلك التي ارتُكبت بحق المكونات السورية، ومنها المكون العلوي في الساحل السوري. إن القبول باتفاق يمنح شرعية سياسية لشخص مصنف دولياً ضمن قوائم الإرهاب، ويتحمل مسؤولية في تأجيج الصراعات الطائفية وارتكاب انتهاكات جسيمة، يعدّ تجاوزاً غير مقبول. هذا الاتفاق لا يمثل خطوة نحو العدالة أو الاستقرار، بل هو تعبير عن تحالفات مصلحية تهدف إلى تصفية حسابات إقليمية ودولية على حساب حقوق الشعب الكوردي والمكونات السورية الأخرى.
إننا نرفض هذه الاتفاقية رفضاً قاطعاً، ولا نعتبر أنفسنا ملزمين بأيٍّ من بنودها، فهي ليست اتفاقاً بين مكونات سورية تبحث عن حل عادل، بل هي صفقة سياسية أُعدّت في دوائر صنع القرار الأمريكية والتركية، دون أي اعتبار للحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي أو لضمانات الحل الدستوري العادل. إن أي التزام بأي اتفاق يجب أن يكون منبثقاً من إرادة شعبية حقيقية، وليس نتيجة تسويات سياسية تهدف إلى إعادة تأهيل أطراف متورطة في الإرهاب والانتهاكات الجسيمة بحق السوريين.
بناءً عليه، نؤكد أن أي مسار لا يحترم الحقوق القومية للشعب الكوردي ولا يُقرّها ضمن إطار دستوري دولي معترف به، لن يكون إلا مشروعاً هشاً، قابلاً للانهيار عند أول اختبار سياسي أو ميداني. إننا نرفض المساس بمصير شعبنا تحت أي ظرف، ونؤكد أن الحل العادل والشرعي يجب أن يكون مستنداً إلى قرارات الأمم المتحدة وإرادة الشعب الكوردي نفسه، لا إلى اتفاقات صيغت في كواليس المصالح الإقليمية والدولية بعيداً عن حقوق الشعوب وتطلعاتها المشروعة.
11 آذار 2025
د. عدنان بوزان