بقلم: د. عدنان بوزان
يُعد الصراع بين حزب العمال الكردستاني وتركيا من أكثر النزاعات تعقيداً في المنطقة، حيث يمتد لعقود شهدت موجات متكررة من العنف والمواجهات العسكرية، فضلاً عن محاولات متعددة لإيجاد حل سياسي لم يُكتب لها النجاح. بدأ هذا النزاع في ثمانينيات القرن الماضي، وتطوّر من مواجهة مسلحة محدودة إلى قضية إقليمية ذات أبعاد أمنية وسياسية عميقة، مما جعله واحداً من أكثر الملفات حساسية في السياسة التركية والإقليمية. ورغم المحاولات السابقة للحوار وإعلان وقف إطلاق النار في فترات متقطعة، فإن جميع هذه الجهود باءت بالفشل نتيجة عدة عوامل، تتراوح بين غياب الثقة، والتدخلات الخارجية، وتغير التوازنات السياسية الداخلية والإقليمية.
يُعد فقدان الثقة بين الطرفين العائق الأكبر أمام أي مبادرة سلام حقيقية. فتركيا تنظر إلى حزب العمال الكردستاني باعتباره تهديداً لأمنها القومي، وترفض الاعتراف به كطرف سياسي شرعي يمكن التفاوض معه، بينما يرى الحزب أن سياسات الدولة التركية قائمة على إنكار الحقوق الكوردية وممارسة القمع تجاه الشعب الكوردي. هذه الرؤى المتناقضة تعمّق الانقسام وتزيد من صعوبة الوصول إلى حلول توافقية قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
لن تكون أي مبادرة سلام بين حزب العمال الكردستاني وتركيا قابلة للتنفيذ ما لم تخضع لإشراف دولي يضمن تنفيذ الاتفاقيات، ويعمل على بناء آليات للرقابة والمحاسبة. فقد أظهرت التجارب السابقة أن غياب الضمانات الدولية يجعل أي اتفاق عرضة للانهيار بمجرد تغيّر المعادلات السياسية أو ظهور ضغوط داخلية على أحد الطرفين. وقد كان هذا واضحاً خلال المفاوضات التي جرت في أوائل الألفية الثالثة، حيث أُعلن عن مبادرات للحوار لكنها انهارت بسبب عدم وجود جهة دولية تضمن تنفيذ الاتفاقات وتمنع التنصل منها عند أول فرصة.
كما أن البعد الإقليمي لهذا النزاع يجعل من المستحيل حله دون إشراك الفاعلين الدوليين. فالتدخلات الخارجية، سواء من القوى الإقليمية أو الدولية، زادت من تعقيد المشهد، حيث بات كل طرف يستخدم الورقة الكوردية لتحقيق مكاسب سياسية أو أمنية. لذا، فإن أي اتفاق لا يحظى بدعم ورعاية دولية سيكون هشاً، ولن يتمكن من الصمود أمام الضغوط السياسية والعسكرية. إن وجود آلية دولية للمراقبة سيؤدي إلى تعزيز الثقة بين الطرفين، وسيساعد في تقليل التصعيد العسكري وتهيئة الأجواء لحل سياسي دائم.
إن استمرار الصراع دون حل شامل ومستدام لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوترات وعدم الاستقرار في المنطقة، مما سيؤثر ليس فقط على تركيا وحزب العمال الكردستاني، بل سيمتد ليشمل دولاً مجاورة لها مصالح متشابكة في هذا الملف. لذلك، فإن المبادرات الأحادية الجانب أو تلك التي تعتمد على الوسائل العسكرية لن تثمر عن أي نتائج إيجابية، بل ستؤدي إلى مزيد من التصعيد والتوتر. إن تحقيق السلام الحقيقي يتطلب إرادة سياسية جادة من جميع الأطراف، كما يحتاج إلى جهود دولية حثيثة لإيجاد حل عادل ومستدام، يضمن حقوق جميع الأطراف، ويضع حداً لنزاع طال أمده وأثقل كاهل المنطقة بأكملها.