لنا رأي آخر : رؤية جديدة لسوريا: نحو مستقبل يُبنى على أسس العدل والحوار
بقلم: د. عدنان بوزان
في ظل الأزمة السورية المعقدة، التي تفاقمت وتشابكت فيها خيوط الصراع حتى أصبحت لُغزاً يصعب حله، نجد أنفسنا، نحن اليوم، أمام رأي يختلف جذرياً عن المألوف الذي تناقلته الألسن ودوّنته الأقلام.
نعم، أيتها المعارضة الارتزاقية التي تبيع القضية مقابل مصالح زائفة، وأيها النظام الإجرامي الذي تلطخت يديه بدماء شعبه، لنا رأي آخر ولنا أقوال أخرى تعبر عن الوجه الآخر لسوريا، الوجه الذي لا يقتصر على السلاح والمال بل يبني أساسه على الضمير والأخلاق.
إننا نقف اليوم بجدية وصرامة عند كل منعطف يشهد على خيانة أو جريمة ضد الإنسانية، مؤمنين بضرورة المواجهة الحقيقية التي تقوم على حجج راسخة وأدلة لا تقبل الشك، وعلى رؤية ثاقبة ترى خلال الظلام وتفصل بين الحق والباطل بموضوعية وواقعية.
ندعو كل كلمة حق أن تكون لها وقعها في قلوب الناس، بعيداً عن الأحلام الخادعة والوعود البراقة التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الدمار. ليست الثورة ولا الحرب هي السبيل الوحيد للتغيير، بل الوعي والضمير الحي الذي يستطيع أن ينتفض ويزأر كالأسود في وجه كل ظلم وباطل.
إن دعوتنا اليوم هي لكل العقلاء والراشدين، من كل الأطياف والمشارب، للوقوف معاً والعمل على تجاوز هذه الأزمة بحلول تحفظ الكرامة وتعيد الاستقرار. إنه الوقت لرفض القسوة والانقسام، والسعي نحو سوريا تكون فيها العدالة والسلام أسساً لا تتزعزع.
في هذا السياق المعقد والغني بالأحداث الجسام، تتجلى لنا رؤية مغايرة، رؤية تتشكل من موقع الناقد الذي يرى بعيون الوطن، لا عيون الفصائل المتصارعة. لدينا، نحن هنا، رأي آخر يجب أن يُسمع في زحمة الأصوات المتدافعة.
أيها المعارضون والنظام على حد سواء، توجد بين جنباتكما وفي طيات أفعالكم مساحات كبيرة. تفيض الحجج والبراهين من كل حدب وصوب، ولكن السؤال الأبرز يبقى: متى ننظر إلى الأزمة بعيون صافية، عيون تتجاوز الحلم لتقترب من الواقع بروية وحكمة؟
لقد اعترت الأزمة السورية تعقيدات جمّة، فمن الفساد الذي يتغلغل كسرطان خبيث في أوصال البلاد، إلى الارتزاق الذي يبيع الضمير في سوق النخاسة السياسية. ومن التلاعب بالديمغرافيا إلى استغلال الأزمات لتصفية حسابات لا تخدم إلا أصحابها الذين يديرونها من وراء ستار.
يا أهل القضية، المطلوب اليوم ليس تحريك الأزمات لتدور في فلك المصالح الشخصية أو الجماعية، بل العمل بجدية وصرامة لاستئصال هذه الأمراض الفتاكة التي تنخر جسد الوطن. المطلوب أن تكون السياسة والقوة موجهة نحو إعادة البناء والتحرير من الفساد والاستبداد، لا أن تغرق في مستنقع الصراعات الثانوية التي لا تليق بتطلعات شعب أنهكته السنين.
فالجهل بحقيقة الأمور يمكن معالجته بالتعلم والاستفسار، ولكن العجز عن التحرك والتغيير حين تدعو الحاجة هو المعضلة الأكبر. هل ننتظر حتى يأتي من هو أفضل ليقود سوريا إلى بر الأمان؟ أم نبدأ بأنفسنا في كل مكان نستطيع أن نحدث فيه تغييراً؟
لقد آن الأوان للعمل بجدية، لأن غداً، وإن كان لناظره قريب، يحتاج إلى عزيمة وجهد لا يلين ليكون أفضل. إن لنا رأياً آخر، رأياً يحمل في طياته الأمل والتغيير الحقيقي، رأياً يستند إلى الحق والعدل والاستقامة، يرنو لأن يعيد لسوريا بهائها ويزيح عن كاهلها ثقل الأزمات المتتالية التي عصفت بها.
لن ننكر أن الحراك السوري كان وما زال محفوفاً بالتحديات الجمّة، ولكن ألا يستحق هذا البلد، الغني بتاريخه وثقافته وشعبه، أن نرتقي بنهجنا ونجعل من السياسة أداة للإصلاح وليس للدمار؟ ألا يستحق أن نضع جانباً الخلافات ونتحد من أجل مستقبل أفضل؟
إن الوقت قد حان لنتخطى النزاعات الضيقة، ونبني جسور التفاهم بين جميع الفئات والمكونات السورية. ليس بالأمر السهل، بل هو مسار محفوف بالمصاعب والتحديات، ولكن من خلال الحوار البناء والتفاهم المشترك، يمكننا أن نضع حجر الأساس لسوريا الجديدة، سوريا التي تتسع للجميع وتحترم حقوق الإنسان وتصون الكرامة.
ينبغي أن يتجاوز حديثنا الغضب والانتقام، وأن نرتفع بنبرتنا إلى مستوى يليق بتاريخ سوريا ومستقبلها. يجب أن نسعى لإيجاد حلول جذرية للمشاكل التي أدت إلى هذه الأزمة، بما في ذلك تفكيك شبكات الفساد ومعالجة الاستغلال الذي شاب المعونات والدعم الإنساني.
ليس فقط من خلال المؤتمرات الدولية أو الاجتماعات الرفيعة المستوى، بل بالاستماع الجاد إلى صوت الشعب السوري، الذي يحمل في طياته أفكاراً وحلولاً قد لا تراها النخب. يجب أن تكون هذه الأصوات جزءاً من عملية صنع القرار، لأن الحل الحقيقي ينبع من قلب الأزمة نفسها، من الشعب الذي عاش تفاصيلها وعانى من تبعاتها.
لنا رأي آخر يقوم على الأمل والعمل المتواصل، على الإيمان بأن سوريا يمكن أن تنهض من جديد كفينيق من رماد المعاناة والدمار. رأي ينادي بالعدالة، ليس فقط في المحاكم والقاعات، بل في كل بيت وكل شارع وكل مدينة في سوريا.