لنا رأي آخر: تغيير اسم مدينة كوباني إلى الفرات: استراتيجية سياسية أم محو للهوية؟
بقلم: د. عدنان بوزان
في خطوة مثيرة للجدل والتساؤلات، محاولة الإدارة الذاتية في شمال سوريا تغيير اسم مدينة كوباني، التي كانت رمزاً للمقاومة والصمود في وجه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إلى اسم “الفرات”. هذا التغيير لم يأتِ من فراغ، بل يحمل في طياته دلالات سياسية واجتماعية عميقة قد تؤثر على المشهد الكوردي والسوري بشكل عام.
كوباني، التي أصبحت رمزاً للبطولة والمقاومة، استطاعت أن تنتزع إعجاب العالم بدفاعها الشرس ضد داعش في عام 2014. الاسم نفسه أصبح معروفاً عالمياً، مرتبطاً بقصص الشجاعة والتضحية. الأسماء في كثير من الأحيان تتجاوز كونها مجرد مسميات إلى رموز لها وزنها ومعناها الثقافي والسياسي.
التغيير المفاجئ في اسم المدينة يثير التساؤلات حول الدوافع وراء هذه الخطوة. أحد التفسيرات الممكنة هو أن الإدارة الذاتية تحاول بذلك تخفيف حساسية الاسم لدى بعض الأطراف الإقليمية، التي تنظر بعين الريبة إلى أي تحرك كوردي قد يُعتبر تهديداً لأمنها القومي. والتي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية تنظيماً إرهابياً مرتبطاً بحزب العمال التركي، قد تكون لها تأثيراتها الضاغطة على الإدارة الذاتية لإجراء مثل هذا التغيير.
من ناحية أخرى، يمكن اعتبار هذا التغيير جزءاً من محاولة لإعادة تأسيس الهوية الجغرافية والتاريخية للمنطقة، ربما كخطوة نحو تحقيق مزيد من الاستقرار والتفاهم الإقليمي. ومع ذلك، فإن هذا النوع من التغييرات قد يؤدي إلى مقاومة داخلية وخارجية من قبل أولئك الذين يرون فيه محاولة لمحو رمزية كوباني كمدينة للمقاومة والكفاح.
من المهم التأكيد على أن الأسماء لها قوة في تشكيل الوعي الجمعي والهوية الثقافية والوطنية للمجتمعات. تغيير اسم كوباني قد يُنظر إليه على أنه محاولة لإعادة تعريف الهوية المحلية والانفصال عن الماضي المعقد والصراعات المؤلمة، لكنه أيضاً قد يُفهم على أنه مساومة أو تنازل يُقدم في سياق التفاوض الجيوسياسي.
يتطلب هذا التغيير دراسة عميقة لتأثيراته الثقافية والسياسية، بالإضافة إلى تقييم للتوقعات المستقبلية للعلاقات بين الكورد والقوى الإقليمية، خاصة تركيا. قد يكون الهدف هو تحقيق نوع من الاستقرار أو تقليل التوترات الإقليمية، لكن هناك خطر أن يُنظر إلى هذا العمل على أنه تنازل يفتقر إلى الصلابة في مواجهة الضغوط الخارجية، مما قد يؤثر على معنويات المجتمع المحلي ويُضعف من قوته الرمزية كمركز للمقاومة.
إن مستقبل كوباني، أو “الفرات” حسب تسميتها الجديدة، والعلاقات الكوردية التركية سيكون محل مراقبة شديدة. سيتعين على الإدارة الذاتية التوازن بين الحفاظ على هويتها وتراثها التاريخي وبين التكيف مع المتغيرات الإقليمية والضغوط الدولية. هذا التوازن دقيق ويتطلب حكمة وبصيرة لضمان أن التغييرات المطبقة تخدم الأهداف الطويلة الأمد للمجتمع ولا تتنازل عن جوهر ما يجعل كوباني، أو الفرات، فريدة من نوعها ومعتزة بتاريخها المقاوم.
في محاولة يائسة مشابهة لتلك التي قام بها بعض الفصائل من “المعارضة السورية” لتغيير اسم عفرين إلى “غصن الزيتون”، والتي باءت بالفشل، من المتوقع أن تواجه الإدارة الذاتية مصيراً مماثلاً في مسعاها لتغيير اسم كوباني. الأسماء عنصر متجذر في ثقافة الشعوب، ولا يمكن تعديلها بمجرد قرار من سلطات قد لا تمثل الإرادة الحقيقية والعميقة للناس. هذا النوع من المحاولات يعتبر عملاً غير مثمر، ومن المؤكد أنه سيفشل، لأن الاسم ليس مجرد عنوان، بل هو تجسيد لتاريخ وروح المكان.
في الختام، يظل السؤال الملح: هل سيكون تغيير الاسم خطوة نحو الأمام في مسيرة البناء والتنمية والتفاهم الإقليمي، أو أنه سيُذكر كمحاولة لمحو هوية صمدت في وجه التحديات الكبرى؟ الأيام المقبلة قد تقدم بعض الإجابات على هذه التساؤلات الحيوية.