لنا رأي آخر: هل تدرك مكانك في زحام هذه الحياة؟!
بقلم: د. عدنان بوزان
في عالم مليء بالتنافس والتحديات، يبدو أن الجميع يتسابقون لامتلاك "الأنا العليا"، تلك الصورة المثالية التي يصنعونها لأنفسهم، متناسين أن جوهر الإنسانية لا يمكن اختزاله في مظهر خارجي أو مكانة اجتماعية. هل تنتمي إلى أولئك الذين ينكرون بوضوح انتماءاتهم البرجوازية، بينما تكشف سلوكياتهم وكلماتهم عن عكس ذلك تماماً؟ في هذه الفوضى، يُستحسن أن نتوقف قليلاً ونتأمل، لنتساءل عن حقيقة وجودنا.
تتحدث عن نفسك بعبارات تصفك بالإنسانية، ولكن هل فكرت يوماً في معاني تلك الكلمة؟ الإنسانية ليست مجرد تصنيف نتفاخر به، بل هي وحدة متكاملة لا تقبل التجزئة. لذا، ربما يكون من الأفضل أن تتوقف عن التبجح بلقب "الإنسان" وتبدأ بالتصرف بما يحقق معانيه. إن الصفات تتجلى من خلال المواقف والسلوكيات، وكلماتنا ليست سوى صدى لما نحمله من قيم وأفكار.
هل أضعت الطريق في زحام هذه الحياة، أم أن الأرض التي تقف عليها صلبة وثابتة؟ أسئلة قد تكون صعبة، لكنها ضرورية. هل تتبنى أفكاراً حقيقية، أم أنك تتبع صدى أصوات الآخرين؟ هل تؤذيك تلك الأصوات التي تملأ المكان بالتصفيفات الحماسية، تلك التي دفعت ثمنها بقبول التنازلات عن مبادئك من أجل الحصول على الاعتراف والقبول؟
ما من شيء له لذة الشعور كما ذاك الذي لا يُشترى بالمال. فالحب والقبول الحقيقيان هما منحة إلهية، لا تأتي بطرق مشبوهة ولا تستجدي التصفيق من حولك. إنهما يتجليان في اللحظات التي نكون فيها صادقين مع أنفسنا، تلك اللحظات التي تتجسد فيها قيمنا الحقيقية.
لربما أخذتك إلى رقصة الدراويش، لكننا سنستمر في هذه الرقصة الراقية مع الأفكار، سنراقصها بمهارة وأناقة، كمن يرقص السالسا. لماذا لم أختر التانغو، تلك الرقصة التي تحمل في طياتها آلام الوجود ومآسيه؟ لأنها تحاكي مشاعر الحزن، وتُعبر عن مصير بائس لا يسعني الانغماس فيه.
لننظر إلى الهدوء الداخلي الذي نحتاجه جميعاً. هذا التوازن الذي يتجلى بعد مواجهة الفوضى من حولنا. عليك أن تتوقف عن محاولة إرضاء الآخرين أو حتى الانصياع لتوقعاتهم. استمع إلى صوت قلبك، فهو مرشدك الأمين، ولن يخذلك حتى عندما يتخلى عنك من وثقت بهم.
مبادئك هي المعطف الذي ترتديه في ليالي الشتاء القارسة. إنها ما تحميك من برد الحياة القاسي. فصاحب المبدأ لن يندم، مهما كانت الليالي مظلمة ومليئة بالعواصف. كن ممتلئاً بقيمك، واعمل على تعزيزها، وكن ثابتاً كجذع شجرة راسخة، لا تميل مع الرياح المتقلبة.
كم هو مؤلم أن نشهد ملامح المتلونين، أولئك الذين باعوا كل شيء من أجل مواكبة التيار والتغيير. تخلوا عن ماضيهم في سبيل هويات مزيفة يظنون أنها ستمنحهم القبول. ولكن ماذا لو كان كل ما سبق لا يشبهك؟ ماذا لو كنت أكثر من ذلك؟ ما الذي يجعلك متفرداً في هذا الزحام؟
دعنا نعيد النظر في هذا الصراع الداخلي. يجب أن نبحث عن ذواتنا الحقيقية، تلك التي لا تعترف بالمعايير المفروضة. فلنتوقف عن الرقص في دوائر الآخرين، ولنبدأ في تأليف رقصتنا الخاصة، تلك التي تعبر عن جوهر وجودنا وتاريخنا ومبادئنا. إن الإنسان الذي يتمسك بقيمه ويعبر عنها بشجاعة هو الذي سيبقى حاضراً، مهما تغيرت الظروف من حوله.