إلى الأحزاب السياسية الكوردية في سوريا..
بعد الاطلاع على البيان الصادر بشأن اتفاق الأحزاب الكوردية حول مستقبل سوريا والتفاوض مع دمشق، لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط التي تحتاج إلى تصحيح وتوضيح من منظور قانوني ودستوري، بما يخدم مصلحة القضية الكوردية ويعزز حقوق الشعب الكوردي في سوريا.
أولاً: التوضيح الغامض حول الحقوق الدستورية:
في البيان، يُشار إلى ضرورة "حماية حقوق الشعب الكوردي دستورياً"، لكن لم يتم تحديد الآليات القانونية الواضحة التي تضمن تحقيق هذا الهدف. من الناحية القانونية، يجب تحديد كيفية ضمان هذه الحقوق بشكل عملي عبر نصوص دستورية مفصلة، بحيث تتضمن آليات التعديل الدستوري اللازمة لتضمين الحقوق الثقافية واللغوية والسياسية للكورد في سوريا بشكل صريح. ينبغي أن يُنص على هذه الحقوق بما يتوافق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مثل الحق في التعليم بلغتهم القومية، وحماية ثقافتهم في جميع مجالات الحياة العامة.
ثانياً: إغفال قضية الحقوق اللغوية والثقافية بشكل قانوني محدد:
البيان يشير إلى ضرورة "اعتراف الدستور بالشعب الكوردي ولغته القومية"، ولكن لا يوضح مدى التزام الدستور السوري المستقبلي بتوفير الحقوق اللغوية والثقافية للكورد بشكل كامل. يجب أن يتضمن النص القانوني ضرورة ضمان اللغة الكوردية كلغة رسمية في المناطق التي يشكل فيها الكورد أغلبية، بما في ذلك في التعليم والإعلام والإدارة العامة. يجب أن يتماشى هذا مع الأنظمة الفيدرالية المتعارف عليها في العديد من الدول، التي تضمن حقوق لغوية مماثلة للأقليات.
ثالثاً: التسرع في دعوة إلى الفيدرالية دون توضيح العواقب القانونية:
البيان يتبنى النظام الفيدرالي كأساس للحكم في سوريا المستقبل، لكن لم يتم توضيح العواقب القانونية والسياسية لهذا النظام على وحدة الدولة السورية. الفيدرالية هي نظام معقد يتطلب تحديد صلاحيات كل إقليم بشكل دقيق ضمن الدستور، مع الحفاظ على وحدة الدولة وضمان عدم التفكك. يجب تحديد كيفية توزيع السلطات بين الحكومة المركزية والأقاليم، وتوضيح صلاحيات السلطات التنفيذية، التشريعية، والقضائية بوضوح، بما يضمن حقوق كافة المكونات السورية دون استثناء. على البيان أن يوضح إذا كان المقصود هو الفيدرالية الفعلية، ويضع في اعتباره الضمانات القانونية التي تضمن هذا النظام.
رابعاً: اللغة الدبلوماسية والضغط الدولي:
البيان يذكر أن الاتفاق قد تم برعاية أميركية - فرنسية، مما يعكس جانباً من التوازن السياسي بين الأطراف الدولية. لكن لم يتم تناول قضية الضغوط الدولية المترتبة على دمشق في حال عدم الالتزام بالاتفاق. من الناحية القانونية، يجب التأكيد على ضرورة وجود آليات رقابة دولية لضمان تنفيذ هذا الاتفاق، ويجب أن تشمل هذه الآليات دوراً مهماً للأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الأخرى في متابعة تنفيذ الحقوق الواردة في الاتفاق. لا يجوز أن يكون الاتفاق غير ملزم على المستوى الدولي، بل يجب أن تتضمن الإجراءات ضمانات تنفيذ واضحة.
خامساً: عدم وضوح آلية تنفيذ المفاوضات:
البيان يتحدث عن تشكيل وفد موحد من الأحزاب الكوردية للتفاوض مع دمشق، لكنه لا يحدد الآلية القانونية التي سيتم من خلالها تمثيل الشعب الكوردي في المفاوضات أو الطريقة التي سيتم بها اختيار هذا الوفد. من الضروري أن يتم تحديد إجراءات ديمقراطية وقانونية واضحة لاختيار الوفد المفاوض، بحيث يعكس تمثيل جميع القوى السياسية الكوردية بشكل عادل وشرعي، مع ضمان تمثيل النساء والشباب والفئات الأخرى التي يمكن أن تكون جزءاً من العملية السياسية.
سادساً: التأكيد على اللامركزية السياسية وليس الفيدرالية:
من حيث المفاهيم القانونية، من المهم التمييز بين اللامركزية السياسية والفيدرالية. في النظام اللامركزي، يبقى الحكم المركزي قوياً بينما يتم تفويض بعض الصلاحيات إلى الحكومات المحلية. أما في النظام الفيدرالي، فيتم تقاسم السلطة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم بشكل متوازن. البيان ينبغي أن يحدد بوضوح ما إذا كان النظام المقترح هو فيدرالي حقاً، وبالتالي يجب أن يشمل ضمانات قانونية للفيدرالية مع تقسيم واضح للسلطات لضمان عدم التأثير على وحدة الدولة.
خلاصة:
البيان يتناول عدة نقاط هامة بشأن مستقبل الكورد في سوريا، لكنه بحاجة إلى تحسينات كبيرة من حيث اللغة القانونية، وتوضيح الآليات التنفيذية، وتحديد الضمانات الدولية التي تضمن تنفيذ الاتفاق. ينبغي أن يتضمن البيان نصوصاً قانونية واضحة تُحدد كيفية تضمين حقوق الكورد في الدستور السوري، وتضمن مشاركتهم الفعّالة في المؤسسات السياسية والدستورية في المستقبل. كما يجب أن يتناول بشكل أكبر الآليات الديمقراطية لاختيار الوفد الكوردي وتوضيح تأثير النظام الفيدرالي على وحدة سوريا بشكل أكثر تفصيلاً.
25 آذار 2025
د. عدنان بوزان