بقلم: د. عدنان بوزان
إلى متى نظل نعيش في دائرة مغلقة من الخداع السياسي، حيث يتكرر المشهد نفسه في كل مرة، وكأننا لم نتعلم الدرس بعد؟ إلى متى سنظل نصدق أن الانشقاقات التي تحدث في صفوف الأحزاب الكوردية تأتي بدافع المصلحة القومية أو بحجة تصحيح المسار؟ وإلى متى سيستمر هذا العبث السياسي الذي لا يخدم إلا مصالح ضيقة على حساب تطلعات الشعب الكوردي؟
في كل مرة ينشق فيها سياسي عن حزبه، يقدم لنا خطاباً نارياً عن الفساد والتآمر وغياب الديمقراطية داخل الحزب الذي كان جزءاً منه بالأمس، لكنه لا يلبث أن ينادي بعد فترة وجيزة بوحدة الصف الكوردي، وكأن الجماهير لا تملك ذاكرة، وكأنهم لم يكونوا جزءاً من تلك الأحزاب التي ينتقدونها الآن. فلو كانت وحدة الصف هي الهدف، ألم يكن الأجدر بهم أن يعملوا من داخل أحزابهم على إصلاحها بدلاً من الانشقاق وتأسيس تكتلات جديدة لا تزيد المشهد إلا تشرذماً؟
التناقض واضح وجلي: لماذا ينشقون إذا كانوا يريدون الوحدة؟ ولماذا يتحدثون عن لمّ الشمل وهم أول من قسموه؟ أليس هذا اعترافاً بأن الدوافع الحقيقية للانشقاقات ليست إصلاحية، بل تتعلق بالمصالح الشخصية، وحسابات النفوذ، وأجندات خارجية تخدم هذا الطرف أو ذاك؟
لقد سئم الشعب الكوردي هذه المسرحية المتكررة، حيث يُطلب منه دائماً أن يكون وقوداً لصراعات النخب السياسية، ثم يُخدَّر بشعارات رنانة عن "الخطاب الموحد" و"المصير المشترك". الحقيقة أن هذه النخب لا تبحث عن مصلحة الشعب بقدر ما تبحث عن مواقع قوة تمكّنها من البقاء في المشهد السياسي، حتى لو كان الثمن المزيد من الانقسامات التي يدفع ثمنها المواطن البسيط.
إن كان هناك من درس يجب أن يُستوعب، فهو أن وعي الشعب الكوردي لم يعد كما كان، ولم يعد من السهل خداعه بشعارات جوفاء. فالوحدة الحقيقية لا تأتي من بيانات وتصريحات إعلامية، بل من إرادة صادقة في العمل المشترك، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الحزبية والفردية. ما لم يدرك الساسة الكورد هذه الحقيقة، فإنهم سيجدون أنفسهم معزولين عن شعب بات يدرك تماماً ألاعيبهم، ولم يعد مستعداً ليكون ضحية لمهزلة سياسية مستمرة.
فإلى متى يستمر هذا العبث؟ وإلى متى يُباع الوهم باسم الوحدة؟